مصيدة الحروب

 عبدالعزيز السماري  

حسب تقرير لليونسكو، كان العراق في السبعينيات الميلادية يمتلك نظامًا تعليميًا من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة، كذلك كاد أن يقضي على الأمية تمامًا، كما وصلت المنجزات العلمية في العراق إلى مستويات عالية، واشتهر آنذاك بنجاح البرامج العلمية والبحثية والطبية، وازدهر الاقتصاد، وأصبحت دولة العراق أرضًا جاذبة للهجرات والقدرات والخبرات، لكن المأزق الذي قضى تلك الإنجازات قرار دخول حرب شرسة مع إيران، امتدت إلى ثماني سنوات.

أسهم الغرب في إشعالها واستمرارها، وفي النهاية قضت على ما تم بناؤه خلال العقود التي سبقتها، وعانى التعليم والصناعة والاقتصاد الكثير بسبب ما تعرض له العراق من حروب وحصار، وعادت نسب الأمية إلى الارتفاع إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ التعليم الحديث في العراق، وهاجرت الخبرات وهرب الكثير منهم إلى الغرب، وقد استطيع القول إنهم نجحوا في القضاء على التطور في العراق، وإخماد طفرة غير مسبوقة في بلد عربي من خلال استنزاف البلاد في حرب طويلة.

كان الغرب وخصوصًا الأمريكي في فترات المزود الأهم للأسلحة في الحرب العراقية الإيرانية، ولاحقًا كان هو من فرض العقوبات على العراق وإيران، وهو ما أدى إلى انهيار مقدراتهما العلمية والاقتصادية، وكانت النتيجة العودة إلى مراحل الأمية والتخلف، ومن أجل أن نفهم استراتيجية إشعال الحروب في الشرق، أرجعوا لمختلف الحروب العربية الإسرائيلية، وقد كانت أمريكا تحرص على إيقافها بأسرع وقت.

فقد أوقفت أمريكا حرب 73 بعد فترة وجيزة، وتدخلت أكثر من مرة لإيقاف حروب الاستنزاف للداخل الإسرائيلي، لكن قدر الحروب العربية أن تستمر إلى أن تأكل الأخضر واليابس، وإلى تصل إلى نقطة اللا عودة، ولتخرج بعدها قرارات الحصار والعقوبات أو تترك مثلما يحدث في سوريا.

ما خلفته الحروب على الأوضاع العربية لا يمكن إعادة تأهيله في وقت قياسي، فبناء الأجيال لا يأتي بين ليلة وضحاها، بل يحتاج إلى عقود من الاستثمار في الأموال والعقول، والحرب تخلف عقولاً مريضة باليأس والبؤس، وقد تضطر الأوطان أحيانًا للدخول في الحرب عندما تشعر بخطورة الموقف مثلما حدث للمملكة، التي استشعرت بخطورة موقف جماعة إرهابية متهورة كانت وما زالت تتربص بأمن بلدنا، وتهدد استقراره.

لن تتوقف الحروب في منطقتنا ما لم تنته الحروب بالوكالة، استمرار الحروب بشكل عام تغذيها شركات صناعة الأسلحة في الغرب، وعندما تمتلىء مخازنهم بالأسلحة القديمة، فإنه لا يتم التخلص منها في مقبرة النفايات، لكن تُشعل الحروب من أجل بيعها في سوق الحرب بين الدول في البلاد البعيدة عن حدودهم.

ما يحدث في سوريا مثال صارخ لما تخلفه الحروب الأهلية، فالخبرات العربية السورية هأجرت إلى الغرب، والأبرياء يموتون، بينما لا تحرك الدول الكبرى ساكنًا لإيقافها، والملام في ذلك إصرار الأطرف المتحاربة على خيار الحرب، بينما يدركون أنه لا مناص من خيار وقف الحرب لو طال الزمن، والله ولي التوفيق.