مارينا ومثقف شيعي عربي
عزة السبيعي
الفتيات الصغيرات الذاهبات إلى غرفة الإعدام في سجن إيفين في طهران كن يوصين زميلاتهن اللواتي ربما سينجون من مقصلة الملالي أن يخبرن أحباءهن وآباءهن وأمهاتهن أنهن كن يحببنهن. لم تتأكد مارينا أبداً إذا وصلت بعض هذه الرسائل أم لا، فمن يخرج من سجن إيفين في طهران لا يتحدث أبداً. مارينا نفسها لم تخبر زوجها الذي تزوجته بعد خروجها من السجن بشيء، تلك البشاعات يعجز الصوت عن نقلها، الكتابة وحدها في مدينة كندية بعيدا عن طهران قد تفي بالغرض.
في رواية "سجينة طهران" تحاول الكاتبة الإيرانية الكندية مارينا نعمت، الناجية من ويلات ما يسمى الثورة الإسلامية ألا تخسرك، فمن رائحة الدماء وأصوات الجلد والقهر تنقلك إلى طهران قبل الثورة حيث كان الناس يعيشون بسلام مهما اختلفت أديانهم وثقافاتهم.
تمر بك بشوارع طهران ومكاتبها العتيقة ومصايف إيران الجميلة ثم تكشف لك حقيقة الخمينية وما فعلته بالناس من عواصف الكراهية التي حطمت حياتهم وصنعت ألماً حقيقيا لبشر وجدوا أنفسهم فجأة في سجن جماعي اسمه إيران، مفتاحه بيد الخميني ورجاله.
تقول مارينا إن الكثيرين وبعد أن اكتشفوا حقيقة الخميني ظنوا أنها مجرد أيام أو أشهر وسيختفي أعداء الحياة الذين ظهروا فجأة، لكنهم كانوا أكثر ذكاء من مثقفي إيران وعلمائها، لقد أدخلوا الناس في حرب مع العراق باسم الحسين وآل البيت وزعموا أنها حرب ضد الكافر صدام، وأنهم خلال أيام سيحتلون بغداد لينتهوا من هزيمة إلى أخرى حتى نزل أهل طهران للملاجئ هرباً من صدام.
في هذه السيرة الذاتية التي تكشف فيها مارينا عما حدث بعد ثورة الخميني تكتشف أنت كقارئ العلاقة بين الكراهية والاستعباد. لقد قام نظام الخميني بإشغال الناس عن وأد الديموقراطية والزج بملايين الشباب والمثقفين في السجون وإعدام الحوامل واغتصاب الفتيات بإشعال نار الكراهية عبر التلويح بقميص الحسين عليه السلام ومظلوميته، وجعلوا الناس يعتقدون أن الثأر من أناس لا علاقة لهم بمقتل الحسين منذ مئات السنين هدفاً للكراهية والغضب.
تقول مارينا إن هناك من كان غاضبا من الشاه ويقول إنه يستولي على أموال البترول رغم أن الجامعات كانت بالمجان والناس في غالبيتها تعيش في المستوى المتوسط، لينقلب الحال مع الخمينية، حيث سرقت الأموال وأفقرت الشعب وتم تجهيله باستبدال العلوم الحية بما قاله وحكاه الخميني!
مارينا تحمد الله أن الخميني لم ينتصر على العراق وصدام، وإلا لغزا العالم بفكره المجنون. في الواقع الرواية كتبت قبل أن يصبح سليماني الآمر الناهي في بغداد الرشيد.
السيرة الذاتية لهذه الفتاة من أكثر الكتب إثارة للأسئلة، لكن السؤال الأهم الذي استوقفني وأنا أقرأ تجربة هذه الكاتبة مع الخميني وثورته هو: كيف خُدع المثقف العربي الشيعي الذي يعادي الأدلجة ليكون مجرد بوقا للخمينية، يضع صورة الخميني في مجلسه بينما ينحني على أوراقه وهو يكتب مقالا عن حقوق الإنسان في السعودية؟!
هل يحتاج هذا المثقف أن ترسل له نسخة من رواية مارينا والتي ترجمت لكل لغات الأرض؟ أو تحجز له تذكرة مع إقامة دائمة في طهران ربما تستطيع شمسها الحزينة أن تعلمه من هو الخميني، بل ما هي الإنسانية وحقوق الإنسان.










التعليقات