سمير عطا الله
أعاد «كتاب اليوم» نشر مجموعة مختارات من «أيام بلا تاريخ»، بمناسبة مرور 20 عامًا على غياب أحمد بهاء الدين، الصحافي الذي كتب للإنسان والتاريخ. وفي جيل بهاء، كان الصحافي معلمًا ومؤرخًا وصاحب مدرسة ينخرط فيها الآلاف. والتخرج كان صعبًا. وفي ذلك الجيل، كان يمكن أن تحصي عددًا مذهلاً من الكبار وذوي الأثر. وبسبب مكانتهم، كانت الصحافة سلطة غير مُعلنة على السلطة. يقرأها بعناية كبار المسؤولين، ويتابعها المفكرون، وتتداولها النسب.
وبهاء كان متفردًا بين الكبار. لم يرفض الوهج السياسي، لكنه ابتعد عن مواقع النفوذ وصراع المواقع. ولم يبتعد عن الرؤساء، لكنه لم يضرب بسيفهم. وقد حاول السادات، ثم مبارك، أن يجعلا منه «هيكلهما»، لكنه آثر الابتعاد عن لهيب الحسد، حتى بالخروج من مصر. لذلك، لن تقرأ في سيرته، في أي فصل منها، عن مشاحنة أو مدافعة، أو قلت للرئيس ونحن على الشرفة نتأمل ما حدث.
بهاء كان فلتة متواضعة من والعلم والتأمل. لا تعثر في أي سطر له على نعت أو توتر، أو كلمة ملقاة بخفة كأنها وضعت لسلة المهملات، وليس لمقال إلى الأهالي. أعطى الاعتبار لكل من كتب عنه. ولم يغدق الاعتبار بلا حساب. وعندما تقرأ إعادة تقييمه لشخصيات مصر التاريخية، تراها من خلاله أصفى عقلاً وضميرًا وسعيًا. وعندما جاء بهاء إلى الصحافة في الخمسينات، كانت قد دخلت عصر الإيجاز، فاعقل وتوكل. وسرعان ما لمع وانضم إلى قافلة الكبار من دون أن يمضي فترة طويلة في قاعة الانتظار.
ومثلما كانت لمحمد حسنين هيكل، ومصطفى وعلي أمين، وفكري أباظة، وقبلهم محمد التابعي، شخصيتهم وأسلوبهم، ظهر بهاء فورًا متميزًا بأسلوبه وشخصيته، وتلك الوداعة التي لازمته مدى الحياة.
فضَّل بهاء الجانب الهادئ في المهنة، وابتعد عن دوائر الصخب والاحتفالات، ورأى فيها مضيعة للوقت. ولم يكن يخرج إلى أصحاب الأسماء اللامعة في السياسة، أو الأدب، أو الفن، إلا إلى من أحب قلبه. وكان يأنس للشخصية الغالبة في أم كلثوم، والشخصية المغلوبة في فاتن حمامة.
وفي حياته، كان لي عنوان واحد في القاهرة. يمر بي وتبدأ معه القاهرة الذكية الشاطرة الطيوبة، والأيام التي لها تاريخ.
التعليقات