شملان يوسف العيسى
مع الانتخابات الكويتية التي ستجري غدًا اشتدت الحملة الانتخابية بين المرشحين الذين يقدر من سيخوض الانتخابات منهم بـ287 مرشحًا يختار الشعب منهم 50 نائبًا.
لا يتسع المجال لطرح كل أفكار وطروحات المرشحين.. فكل مرشح يعد الشعب بأنه سيحقق مطالبه المعيشية كلها من سكن لكل مواطن وعلاج بالخارج وتعليم متميز وتحسين خدمات الحكومة من دون أن يمس جيب المواطن.. الطريف أنه لا أحد من المرشحين لديه الشجاعة ليشرح للناس من أين ستأتي الأموال لكل التمنيات لإصلاح كل شيء في البلد إذا كانت أسعار النفط منهارة والحكومة بدأت تستدين من الخارج لسد العجز في الميزانية أو بدأت تسحب من أموال الأجيال القادمة (الاحتياطي).
من المفارقات العجيبة أن جميع المرشحين من دون استثناء لأحد - حتى الوزراء والنواب السابقين والمعارضة القديمة والجديدة ومرشحي الشباب أو المرأة أو غيرهم - ركزوا كل انتقاداتهم على الحكومة التي اتهمت بالقصور وعدم الفعالية وغياب الرؤية وتشجيع الفساد وسوء الإدارة وغيرها... كل هذه الانتقادات تتقبلها الحكومة بكل رحابة صدر، رغم علمها بأن بعض النواب والوزراء السابقين غير صادقين ويزورون الحقائق، لكن كل شيء مقبول في فترة الحملة الانتخابية.
أهم شيء في الحملة الانتخابية هو بروز أفكار ومفاهيم جديدة لم يعهدها الشعب الكويتي من قبل توزيع «وثائق التعهد»، وهي وثائق يتعهد بها مرشحو مجلس الأمة يشغلون الناس فيها ويجمعون تواقيع المرشحين ويلزمونهم بها حتى قبل أن تجري الانتخابات أو يحققوا الفوز فيها من هذه الوثائق.
ومن أغرب هذه التعهدات التعهد بعدم التصويت للرئيس السابق مرزوق الغانم في حالة ترشحه للرئاسة في المجلس القادم رغم حقيقة أن الانتخابات لم تبدأ ولم يفز الغانم أو معارضوه. الوثيقة المهمة الثانية هي توزيع جماعات إسلامية «وثيقة حماية الثوابت»، وهي وثيقة عهد بين المرشح لمجلس الأمة والموقع عليها وبين الناخبين يتعهد فيها المرشح بالدفاع عن الثوابت الشرعية.. ما هي الثوابت الشرعية التي يؤمنون بها:
1 - حماية قانون منع الاختلاط ورفض العبث به.
2 - رفض العبث بمناهج التربية الإسلامية.
3 - رفض الحفلات المختلطة.
4 - رفض المسابح والأندية المختلطة.
5 - تأييد المشاريع والقوانين التي يصدرها نواب مجلس الأمة.
هذه الوثيقة أثارت ضجة بين كل شرائح المجتمع، خصوصًا القوى المدنية والليبرالية، لأنها تتعارض مع كل المبادئ الديمقراطية التي حققها الشعب الكويتي.. كما أنها تتعارض مع نصوص الدستور وقوانين البلد.
ما يحدث في الكويت اليوم هو معركة مفتوحة وتصفية حسابات بين التيار الديني الذي يمثله الإسلام السياسي والتيار المدني الذي تمثله القوى المدنية والتيارات القومية العربية واليسار القديم والقوى الليبرالية الجديدة، فهذه الوثيقة على هذا الأساس تعد شماعة يراد بها إحراج المشرعين غير المقتنعين بطروحات الإسلام السياسي المتطرفة، الخوف كل الخوف من أن تستخدم أداة التشريع لقهر الخصوم السياسيين.
تيارات الإسلام السياسي لا تؤمن بالديمقراطية أصلاً، وهي تستغل الانتخابات لإجهاض العملية الديمقراطية ولديهم فهم خاطئ بأن الانتخابات الحرة ودخول البرلمان هي الديمقراطية.. وتناسوا أن الديمقراطية كمفهوم ليست انتخابات بل هي ثقافة ومبادئ وقيم أهمها الإيمان المطلق بالتعددية الفكرية والدينية والإيمان بالحريات وفصل الدين عن الدولة واحترام حقوق الأقليات وحقوق الإنسان وعدم فرض الوصاية على المجتمع.
أصحاب وثيقة حماية الثوابت الإسلامية يحاولون فرض آرائهم على المجتمع باستغلال الانتخاب ومحاولة إثارة السنة للتصويت لهم.. فلديهم عقليات منغلقة تحاول استغلال البسطاء من الناس للتصويت لهم بخلق فتن طائفية في مجتمع يحاول جاهدًا الانتقال من التقليدية إلى الحداثة.
أيضًا كلما أصبحت الدولة أكثر قمعًا نمت المعارضة داخل المجتمع باطراد أكبر، مما يحفز الدولة على مزيد من القمع، ويحدث ذلك على النقيض من العملية التاريخية في العالم الغربي، حيث أدت الليبرالية إلى الديمقراطية وعملت الديمقراطية على دعم الليبرالية وبدلاً من ذلك أفرز المسار العربي الديكتاتورية التي ولدت الإرهاب، بيد أن الإرهاب ليس إلا المظهر الأشد وضوحًا لهذا الاختلال الوظيفي للعلاقة بين الدولة والمجتمع، وهناك أيضًا شلل اقتصادي وركود اجتماعي وإفلاس فكري.
التعليقات