هيا عبدالعزيز المنيع

حين يشتعل الرأي العام بسبب خطبة إمام مسجد ومن على منبره الرسمي بتحذير المجتمع والمؤسسات الرسمية من باعة الشاهي على أرصفة المتنزهات البرية باعتبار أن ذلك يصاحبه بيع المخدرات، وفي منبر آخر يؤكد زميل له أن على الممرضات أن لا يلبسن قفازاً لأن ذلك يسبب مرض الأطفال بأنواع مختلفة من الأمراض تؤدي في النهاية لوفاتهم..؟

صاحب الرأي الأخير التبس عليه الأمر فالملامسة المباشرة للطفل وللإنسان عموماً فعلاً مطلوبة وثبت علمياً أهميتها في العلاقات الإنسانية عموماً وعلاقة الأم بطفلها على وجه الخصوص ولكن لبس القفاز في المؤسسات الصحية مطلب ضروري لحماية صحة هؤلاء المرضى وخاصة الصغار منهم من العدوى وحماية الممرضة نفسها من نقل العدوى أو تلقيها، ما يعني أن بعض هؤلاء الخطباء يعتلون المنابر قبل التحقق من صحة معلوماتهم والخطورة إصرارهم على عسفها لربطها بالدين خاصة الأحاديث النبوية الشريفة ما يمثل إساءة لها للأسف ومساهمة في نشر ثقافة مضللة لا تتفق مع ثوابت الإسلام.. بل إن بعض تلك الآراء خلقت حالة من التشويش الفكري عند البسطاء وغير الملمين بالعلوم الشرعية بما يجب.. ناهيك عن تشويهها للدين الإسلامي عند المتلقي غير المسلم، بالإضافة لاستغلال الإعلام المعادي لتلك الآراء وتشويه صورة المجتمع السعودي في وقت نحتاج لإثبات -وبالبراهين- وسطيتنا الفكرية وموضوعيتنا في الأحكام، مع عدم الخوف من الجديد في الحراك الاجتماعي والثقافي، بل نريد من المنابر دعم التغيرات الإيجابية وتعزيز قيمة العمل الحر الشريف خاصة عند الشباب والنساء، فنحن نحتاج لكسر ثقافة العيب والخجل من العمل في بعض المهن البسيطة التي في واقعها لا تتعارض مع قيم ديننا الحنيف الذي يؤكد على العمل من منطلق أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف والقوة لا تأتي مع الحاجة ومد اليد للغير، أو انتظار دعم حكومي وهو قادر على العمل.

نعود لصاحب الشاهي وهو في نظري أخطأ بحق شباب ونساء يبحثون عن لقمة العيش بشرف يستحق الوقوف معهم وليس التعريض بهم.

مشكلة بعض المنابر في مساجدنا أنها للأسف يرتقيها من لا يدرك قيمة وأهمية هذا المنبر، الجميل أن مكافحة المخدرات وفي تغريدة سريعة نفت ذلك مؤكدة أن ما ذكر غير صحيح وأتاحت وسائل الإعلام المختلفة الفرصة لهؤلاء الشباب والنساء للدفاع عن أنفسهم بإيضاح حقيقة ما يقومون به من عمل شريف يساهم في زيادة دخل بعضهم ويمثل دخلاً رئيساً لبعضهم الآخر، بل إن هناك أسر وأطفال تعيش منه بشرف وعزة رافضة أن تمد يدها لمحسن أو محسنة..

إتاحة المساحة للتعبير والتثقيف والتوعية مطلب للجميع ولكن الانفلات عند البعض يجعل من ذلك المطلب خاصة على المنابر الرسمية في المرحلة الحالية محل إعادة نظر وتقييم خاصةً في المساجد التي يقوم فيها الإمام بخطبة الجمعة أسبوعياً وفق اجتهادات بعضها لا يتفق مع توجهات الدولة ولا مع المصلحة العامة وقبل ذلك لا يتفق مع ثوابت الدين وإنما هي اجتهادات ترتكز على العرف الاجتماعي.. أو قناعات فرد يحاول فرضها على مجتمع بأكمله.