احمد عياش
مثل الالعاب الاولمبية أو مباريات كأس العالم لكرة القدم التي تقام كل أربع سنوات، هناك حدث تربوي دولي يحلّ كل ثلاث سنوات تحت عنوان PISA، وهو مختصر بالإنكليزية لعنوان "البرنامج الدولي لتقييم الطالب". وفي هذه المناسبة التي تحمل هذه السنة الرقم 6، شارك 540 الف طالب في 73 دولة بينها لبنان في اختبار مدته ساعتان مخصص لمعرفة مدى قدرة المشاركين على التفكير. وخلافا لسائر الاختبارات، لا يهدف هذا الاختبار الى معرفة قدرة الطلاب الذين هم في سن الـ 15 عاما على الحفظ، بل يطلب منهم حلّ مسائل لم يروها من قبل في مجال الرياضيات والعلوم والقراءة.
لبنان يستحق الثناء على المشاركة في هذا الاختبار الدولي، لكنه في الوقت نفسه ينتزع الشفقة على المركز النهائي الذي احتله على لائحة الدول المشاركة، إذ حلّ في المرتبة 68 قبل خمس دول هي: تونس، مقدونيا، كوسوفو، الجزائر وجمهورية الدومينيكان. أما الصدارة فضمت حتى المرتبة العاشرة: سنغافورة، هونغ كونغ، اليابان، ماكاو، إستونيا، تايوان، كندا، فنلندا، كوريا الجنوبية والصين.
طبعا، لم يخرج أي مسؤول تربوي في القطاع العام أو الخاص في لبنان لتفحص النتائج التي دار النقاش حولها في العالم، ولا سيما في الدول المعنية. وظهر في تحليل النتائج أن المال وحده لا يكفي لإظهار التفوّق، بل الامر يعود الى الكفاية الادارية والعلمية والمنهجية، كما هو الحال في سنغافورة وإستونيا.
في صورة مبدئية، ومن دون أن يكون المرء خبيرا تربويا، يمكن القول ان اللبنانيين عموما في حالة بائسة في هذا الزمن. فعهدنا بهم أنهم كانوا وما زالوا يضحون بالغالي والنفيس كي يعلموا أبناءهم. وكم من حكاية تروى قديما وحديثا عن بيع لبنانيين ممتلكاتهم ولجوئهم الى الاستدانة كي يوفروا لأولادهم فرص التعليم حتى التخرّج من الجامعات، ثم الذهاب في المغامرة الكبرى للتحصيل العالي في الخارج.
لبنان اليوم في زمن الندرة كحال الكثير من أقطار العالم. وفي ظل سياسة اللارعاية، تعاني معظم الاسر في لبنان الاهوال تربويا. فالأسرة يكافح أربابها لتأمين لقمة العيش في ظل ضائقة تشبه مقدمات المجاعة الشهيرة أيام الحرب العالمية الاولى عام 1914. فكيف يستطيع هؤلاء الارباب دفع الاقساط التربوية التي تضعهم غالبا في حالة عجز كامل؟
سقى الله زمنا مضى رعت فيه الجامعة الوطنية ومعها التعليم الرسمي ولادة جيل متعلّم رائع. وكما هو حزين هذا الزمن الذي جعل مئات الالوف من الطلبة في دائرة التخلّف التربوي والاداري والابداعي. إنه زمن تفريخ الجامعات الخاصة التي يخجل أصحاب المتاجر أن يقتدوا بها. إنه زمن جعل اللبنانيين بين خيار الارتضاء بجهالة التعليم عموما أو التخلي عن كل ما يمتلكونه كي يتلقى أبناؤهم العلم في مؤسسات تربوية لا تزال تحظى بحد أدنى من الاحترام. في اختصار، على من نقرأ مزامير نتائج التعليم الفاشل في لبنان؟
التعليقات