مطلق بن سعود المطيري
قرار مجلس الأمن الذي صدر بداية هذا الأسبوع من مجلس الأمن ضد الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، يعد انتصارا أخلاقيا أكثر منه فوزا سياسيا على المحتل، فهذا القرار جاء تحت البند السادس الذي يطلب من الدول المتنازعة حل خلافاتها سلميا، عكس البند السابع الذي يفرض عقوبات على الدولة التي صدر بحقها القرار وإن لم تلتزم يتخذ ضدها القوة العسكرية، وعلى الرغم من ذلك فالقرار ضد الاستيطان يصنف بأنه تاريخي وله دلالات سياسية مهمة، أولها أن تحييد واشنطن عن التصويت أو ابتعادها عن مساندة إسرائيل يعني أن تل أبيب لن تستطيع تحقيق تقدم في نهجها الاستيطاني أو تملك القدرة التي تستطيع بها فرض رؤيتها على مسارات الحل والتفاوض، الأمر الآخر أن الدول العربية بأغلبها خرجت من منطقة التأثير حتى بحدوده الدنيا التي تمكنها من تقديم المبادرات.
إسرائيل سوف تستعيد معركتها في مجلس الأمن من جديد بالاعتماد على الرئيس الأميركي ترامب وبعض الأطراف العربية المعنية مباشرة في القضية الفلسطينية، في معركة يمكن أن تسمى معركة الأخلاق والمصالح، فتل أبيب لا تنظر للقرار الصادر مؤخرا ضدها على أنه قرار ينسجم تماما مع مهام مجلس الأمن أو أنه نتيجة حضور فلسطيني قوي في مجلس الأمن، بل إنه غدر من بعض الأطراف وخاصة واشنطن التي تخلت عنها في اللحظة الحرجة، فاتصال نيتنياهو بوزير الخارجية الأميركي قبل التصويت لحثه على استخدام الفيتو لم يكن اتصالا مطمئنا للطرف الإسرائيلي لذا بادر نيتنياهو واتصل ببعض أصدقائه العرب لسحب المقترح.. وهذه قصة دبلوماسية مهمة تحكي بوضوح المأزق الإسرائيلي الحقيقي الذي وضعها به صلفها السياسي وعجرفتها أمام المجتمع الدولي، فالعالم أصبح يبحث عن فرص أخلاقية لكي يستغلها، ليثبت إنسانيته بعد أن عاث بها المحتل الصهيوني، وكان القرار الأخير من هذه الفرص النادرة، الذي يبدو أنه فقد جانبا مهما من التزاماته الأخلاقية هم العرب، الذين أصبحوا يساومون بكل وضوح على التزاماتهم القومية والأخلاقية، فلم يعد للعرب موقف قومي واحد يطلوا به على العالم بعد أن تخلوا عن التزامهم في القضية الفلسطينية، ففلسطين لها الفضل على طوال سبعين عاما مضت في الحفاظ على البعد القومي العربي، فكانت القضية الفلسطينية صمام أمان للوجدان العربي فهي من أسست بناءه الثقافي والاجتماعي ومن ثم أعطت للجانب السياسي صلاحية التمثيل والقوة، فالتخلي عن الالتزام في القضية الفلسطينية عربيا أمر سوف تتبعه أشياء جوهرية منها تحديد ماهية الهوية العربية، التي سوف يخرج منها تعريف جديد للعرب، فخسارة القضية الفلسطينية في التفاوض أو الالتفاف عليها من جهة العرب، يعد تاريخا جديدا للعرب، تاريخ يغير معنى أو مفهوم الأشقاء، ويغير شعار القومية، فالعرب بدون القضية الفلسطينية لن يكونوا عربا.
التعليقات