هنري زغيب

مع نهاية كلّ عام يستعيد الناس حصيلة السنة المنصرمة استشرافًا للمقبلة، وغالبًا ما يستذكرون الغائبين متحسرين.

أُريد اليوم أَن أَكون إِيجابيًّا فلا أَلتفت ورائي إِلى سنة كلّفتْني شخصيًّا صدَمات وعذابات أَرفض أَن أَستذكرها.


أُريدني أَلتفت إِلى ما كان في لبنان 2016 كي نـرنو معًا إِلى لبنان 2017 بأَملٍ ورجاءٍ وأُمنيات.
أَرى أَنّ تلك السنة، رغم الفراغات الأَمنية والدستورية والاجتماعية، كانت مليئةً بالحياة وقدّمت للمشهد الثقافي خطواتٍ رصينةً وُثقى.


أَبدأُ بالموسيقى وأَعراسها المتتالية مع الكونسرفاتوار الوطني الناشط، وبأُمسياتٍ راقية (لا أَقصد هنا أَبدًا غناء المطاعم والملاهي والفنادق) توزّعَت على المناطق اللبنانية مُثَقِّفةً جمهورنا بالفن العالي.


أُكمل إِلى المهرجانات التي - رغم الملاحظات على أَكثرها حول مضمونها ومستواها - أَنارت ليالي لبنان بأَعلامٍ لبنانيين أَو أَجانب كبار فجاءت علامةً راقيةً على جبين لبنان الثقافي والسياحي.


أُواصل إِلى الـمسرح الذي - رغم ضآلة الإِنتاج وحذَر مغامريه - لم يتوقّف عن عروض تُشكِّل مقاومةً ثقافية ونضالًا عنيدًا ضدّ خنوع لبنان الثقافي الـمُشِعّ بـمبدعيه، ودون خضوعِه للبنان السياسي الـمظْلِم البَشِع بيوضاسيّــيــه.


أَصل إِلى مؤتمرات علْمية وثقافية ولغوية وأَدبية تكثّفت طيلة 2016 بمستوى أَكاديمي وفكري راقٍ ومشرِّف يذكِّرنا بلبنان الستينات وبعض السبعينات وما كان فيه من زهوةٍ إِبداعية استقطَبَت كبارًا من الشرق والغرب.


أَمرُّ بمعارض الكتب وهي عنوان آخر بين عناوين النبض اللبناني، ولو نوعيًّا أَكثر منه عدديًّا، لتُثبتَ أَن لبنان الكتاب والمطبعة والنشر والتأْليف ما زال في وهج ألَقه ولم تُطفئ أَنوارَه البهي عتمةُ السياسيين.
وتطالعني جوائز نالها لبنانيون في غير حقل إِبداعي وميدان معرفيّ، فأَراهم في أَرضهم الأُم هنا أَو تحت أَيّ سماء هُم، مُشعّين في عطاءاتٍ فريدةٍ لفتَت إِليها العالم برِفعةِ رأْسٍ وتأْكيدِ ثقةٍ بهذا اللبنان الضئيل بـجغرافياهُ، القليل بديموغرافياه، الجليل بمواهب أَبنائه.


هل أُكمل بعد؟
يُمكن أَن أُكمل أَكثر بعد، ولا ينتهي الكلام على نضارة لبنان الأَقوى من كل ذبول، لكنّ بعض تلك التي ذكرتُ اتفاقًا، يكفي ليدُل على الأُعجوبة اللبنانية التي لا تزال، بعبقرية أَبنائها، هي التي تصمد في وجه الريح، كلّ ريح، لأَنها بنت الروح اللبنانية المعافاة من جذورها حتى جذوعها وفروعها، فلا خوف على هذا الحضور اللبناني الذي يؤكِّد رسوخ الثبات والثوابت ضدّ جميع العوابر والمتغيرات التي سبَّبَها، ولا يزال، نفاقُ الكرنفال السياسي الكذّاب الذي يؤَرجِح لبنان بين الإِذعان (لِـمَن وما)، والارتهان (لِـمَن وما)، لكنّ الحضور اللبناني يبقى سنديانةً يرتطم بها كلُّ مَن وكلُّ ما فيَسقُط، وتعلو هي راسخةً بـثُبوت لبنان الإِبداع في ذاكرة 2016.