&رحيل هيكل يفتح باب الهجوم على دولة السيسي… و«البورصجية» يحكمون اقتصاد البلد ويبيعون الوهم

&

حسام عبد البصير

&&أمس واصلت القاهرة بكاءها على رحيل كبير الصحافة المصرية محمد حسنين هيكل، الجميع شاركوا في نعيه.. أطنان من الورق والحبر نفدت في وداع الرجل الأسطورة الذي عاصر مختلف زعماء مصر، من عبد الناصر حتى السيسي، لكن اللافت أن هيكل الذي وصف بعراب ثورة الثلاثين من يونيو/حزيران، وجد من انتقده وهاجمه من رجال المعسكر نفسه، فيما أثنى عليه بعض أنصار الإسلاميين، من باب أن الرجل ذهب لرب لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء..

ذهب الكاتب الأقرب لقلب الرئيس السيسي، الذي تردد أن من مكتبه خرج سيناريو إنهاء حكم الإخوان المسلمين في غمضة عين.. لهذا كان من الطبيعي أن تتحول الصحف المصرية الصادرة أمس الجمعة 19 فبراير/شباط، إلى ساحة حرب حقيقية، تستيقظ فيها آثار حروب تاريخية بين زعماء مصر ورجال الجماعة، التي تتعرض لحرب إبادة منذ دحرهم عن سدة الحكم قبل عامين، وبقدر ما كان البكاء على هيكل لا ينتهي بين أنصار السيسي تولى عدد من اتباع مرسي مهمة فتح باب «المواجع» على عشاق هيكل، ومن ثم النظام الذي تولى سدة الحكم بعد غروب شمس الإخوان.. كما شهدت صحف أمس العديد من المعارك والتقارير التي تحذر من تعرض البلاد لخطر الزوال، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية لمستوى غير مسبوق، وتفشي ظاهرة اليأس بين الجماهير بسبب أجواء دولة مبارك، التي عادت تطل برأسها من جديد، خاصة في مجال قمع الحريات وازدهار شجرة الفساد من جديد..

السيسي لا يدلل الأثرياء

البداية كانت مع الدفاع عن الحكومة، حيث أكد الدكتور أشرف العربي، وزير التخطيط أنه لا يخشى رحيله من الحكومة، بسبب موقفه الداعم لقانون الخدمة المدنية، وقال، في حوار لـ«الوطن»، « إن الإجراءات والقرارات الحكومية الصعبة لا تغفل الفقراء ومحدودي الدخل، الذين قدرهم بنحو 50٪ من الأسر المصرية. واعترف العربي بإن الحكومة لا تحظى بشعبية كبيرة لاتخاذ قرارات صعبة لمواجهة التحديات الكبيرة التي تمر بها مصر، وأوصى باعتماد مبدأ المصارحة والمكاشفة بحقيقة وصعوبة الأوضاع الحالية، وأن اعتبار جميع المصريين فقراء ومستحقين للدعم، خارج عن نطاق استيعاب الدولة لذلك، لافتاً إلى أن بعض القرارات المرتقبة يتعلق بخفض الدعم، وإعادة تسعير عدد من الخدمات، كالوقود والمياه والنقل وغيرها.. وشدد الوزير على أن الهدف تحسين أوضاع الفقراء. وعن الخطوة المقبلة في ملف المنتجات البترولية؟ أكد أنها تتمثل في تفعيل الكروت الذكية، وحالياً قمنا بضم «التوك توك» والجرارات الزراعية للمنظومة، ووزارة التنمية الإدارية تتولى حالياً توزيع الكروت في عدد من المحافظات. وحول اتهام الحكومة بالانحياز لرجال الأعمال؟ قال: بالعكس، رجال الأعمال هم من ينتقدون الحكومة وهذه طبيعة العملية، و«أحنا عارفين أن فيه أصحاب مصالح، ونسعى للوصول. ونفى أن تكون شعبية الحكومة قد تقلصت بسبب اتخاذ بعض الإجراءات، مؤكداً أنها أنجزت الكثير. وحول ما يتردد بأن الرئيس يسير بسرعة الصاروخ والحكومة تسير بسرعة العجلة؟ قال وزير التخطيط: أنا في الحقيقة «مش شايف كده، وأقدر أقول وأنا رجل حكومي، أن معدلات الإنجاز اللي بتشتغل بها الحكومة كثيرة جداً».

دمه في رقبة السيسي

طالب خالد سيد إسماعيل، عم الشاب محمد عادل إسماعيل المتوفى في أحداث الدرب الأحمر، بعقاب المسؤول عن قتل ابن أخيه: «بلاش يطلع في الآخر براءة، عشان بتوع الداخلية هيطرمخوا على البلاغ». وانفعل عم الضحية، خلال مداخلة هاتفية مع برنامج «كلام تاني» على قناة «دريم 2»، مؤكدًا أن دم ابن أخيه في رقبة الرئيس عبدالفتاح السيسي، مشددًا على أن القانون «لازم يمشي على الكل مش الغلابة بس».. وتابع: «نزلنا فوضنا الرئيس ونزلنا ثورة 30 يونيو/حزيران، لكن نزولنا مفروض ما يكلفناش حياتنا، مضيفًا: «الضابط بيمسك الصنايعي الغلبان بسيجارة حشيش واحدة بيشربها، ويلبسوا بيها تهمة اتجار»، بحسب قوله. وانطلقت مسيرة ضخمة، نظمها الأهالي متجهة إلى قسم شرطة الدرب الأحمر، وكان أهالي منطقة الدرب الأحمر قد تجمهروا أمام مديرية أمن القاهرة، عقب مقتل أحد المواطنين على يد أمين شرطة، وقالت مديرية أمن القاهرة، إن الواقعة تتمثل في قتل أمين شرطة من قوة إدارة النقل والمواصلات للمواطن محمد عادل إسماعيل، وشهرته (دربكة)، بعدما حدثت مشادة كلامية بينهما، مشيرةً إلى أن الأمين كان في فترة الراحة».

بضاعة السيسي ستبور قريباً

الخبير الاقتصادي وأستاذ العلوم السياسية عبد الخالق فاروق في حواره مع «المصريون» أكد على: « أن نمط أولويات النظام «منحرف» ولا يعكس أي رؤية أو جدية لبناء الاقتصاد الوطني ـ وشدد على أن المؤتمر الاقتصادي الذي عقد العام الماضي في شرم الشيخ مجرد «زفة» ترويج للسيسي وتوثيق مشروعيته كرئيس ـ كما انتقد تحالف المؤسستين العسكرية والأمنية مع رجال الأعمال مشدداً على أن ذلك يمنع تنمية الاقتصاد ـ وأكد على أن الدولة تفضل منح أراضيها للمستثمرين لا للشباب.. كاشفاً عن أن دولة الإمارات تزرع «البرسيم» لبهائمها مجانا على أراضينا! وفي نقد بالغ للرئيس المنتمي لمؤسسة عسكرية، اشار إلى أن «تلاعب» السيسي بمشاعر المصريين «بضاعة» ستبور قريبا ـ «البورصجية» يحكمون اقتصاد البلد ويبيعون الوهم والكلام. وعن الوضع الاقتصادي ذكر أن 850 ألف مستورد مسجل يضغطون على النظام ويشكلون سياساته الاقتصادية. وتابع قائلا، لدينا 9 ملايين عاطل، وليس 2 مليون، كما يعلن المسؤولون. وبأسى شديد هاجم الحكومة: «الغربان» تقف على ماكينات قرابة 194 شركة من القطاع العام.. ولا بد من إعادة هيكلة قطاعات الإنتاج. قطاعا الثروة المعدنية والبترول «نهيبة» ويجب إعادة هيكلتهما، والبرلمان الحالي صنيعة الأجهزة الأمنية ورجال الأعمال، ولا أمل فيه. كما أكد الدكتور عبد الخالق فاروق، أن مصر تعاني من مشكلات هيكلية عميقة تدفع بالاقتصاد وبالبلد كله إلى «حافة السكين»، موضحا أن النظام الحالي تحكمه مدرسة «البورصجية» التي تبيع الوهم والكلام، وتعمل فقط لصالح فئة رجال المال والأعمال وتمنع أي تنمية اقتصادية حقيقية. وحذر من وصول الدين الخارجي في نهاية عهد السيسي إلى 80 مليار دولار».

الفائز الأزهري الوهمي لازال يكذب

ونتحول بالمعارك الصحافية إلى طالب الصيدلة في الأزهر، الذي زعم فوزه بجائزة حفظ القرآن في ماليزيا، ويشن عليه جام غضبه أحمد سعيد طنطاوي في «الأهرام»: «حتى أنت يا عبد الرحيم راضي الصيدلي الأزهري.. حتى أنت لم تعتذر بعد كل الكذب الذي خرج منك وأحاط بك وخنقك، حين ادعيت زورا أنك فُزت بالمركز الأول في قراءة القرآن الكريم في ماليزيا. ويواجه الكاتب الفائز الوهمي: بدلا من الاعتذار خرجت علينا لتقول إن هناك خطة لتدمير سمعة الأزهر، وإنه تم تهديدك أنت وعائلتك بالقتل، إذا لم تستمر في تمثيل تلك المشاهد الدرامية بفوزك.. وأعتقد أنك ربما ستخرج في برامج أخرى تقول إن المُخطط لكل هذا سيكون مجلس إدارة الكون. أي رواية بلهاء وخطبة عصماء وكذبة جديدة، تريد منا أن نسمعها ونصدقها مرة أخرى؟ لماذا لا تعتذر صراحة ومن دون أي لف ودوران وتريحنا ونريحك؟.. يا بني أن الحياة مليئة بالأخطاء والعثرات.. فلماذا الكبر والعناد في الاعتذار عن الخطأ؟!.. فقط اعتذر واترك حادثتك للنسيان فنحن ننسى بطبيعتنا.. لكنك بكلامك عن أن هناك خطة خفية للإيقاع بك وبـ«الأزهر»، وأنك كنت الحمل الوديع.. وأنهم وضعوا المسدس فوق رأسك، والقنابل أمام أهل بيتك، وأجبروك على الاستمرار.. كل ذلك لن نصدقه فقد أكلنا الكذب من قبل، ولن نأكله مرة أخرى. أعرف أنك أصبت بفيروس هذا الزمان في الكذب وعدم الاعتذار.. فقد رأيت إعلاميا يقول إن هناك مجلس إدارة للكون يُخطط ضدنا.. ولم يعتذر والفيروس الذي أصابك أصاب عددا من الإعلاميين أيضا. كثيرون ادعوا كذبا أنهم أصحاب السبق الأول في اكتشاف كذبك والوصول إليه وفضحه».

سيادة مصر «أونطه»

في أزمة الطائرة المدنية الروسية التي سقطت فوق سيناء في نهاية أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي 2015.. شارك في التحقيقات محققون غربيون، وراجعت «جهات أجنبية» إجراءات الأمن في المطارات المصرية!.. وهو الأمر الذي دفع محمود سلطان في «المصريون» إلى يتساءل: «ألم يعتبر ذلك ماسًا بـ«السيادة الوطنية»؟ الغالبية تجاهلت هذا المعنى، رغم أنه ـ والحال كذلك ـ كان خطوة «مهينة» وماسة فعلاً بالسيادة الوطنية.. والتجاهل كان سيد الموقف، لأنه حدث بسبب أخطاء جسيمة في إدارة الأزمة، وتعاطي السلطات المصرية، مع الحادث، بالطريقة «الاستعباطية» نفسها، التي اعتادت التعامل بها مع الرأي العام في مصر (محاولة استغفاله). المشكلة لم تتوقف عند حدود الإهانة بـ»التدخل الأجنبي» في سير التحقيقات، وإنما امتدت لتؤذي المصريين في «أكل عيشهم»، بإضافة محنة جديدة إلى السياحة، وتدهور دخل البلد من العملة الأجنبية، بالتزامن مع تآكل الاحتياطي النقدي في البنك المركزي، ووصوله إلى حدود بالغة الخطورة. التجربة كانت قاسية، وترتبت عليها أوضاع، جعلت المشهد أكثر بؤسًا، وحتى هذه اللحظة رغم الجهود التي لم تتوقف لإصلاح ما أفسده التعاطي المصري الرسمي مع الأزمة، فإن شيئًا لم يتغير، فيما بدت خيارات الحكومة المصرية شديدة التهافت، من خلال توظيف الفنانات في الدعاية للسياحة في شرم الشيخ، وكأن الروس والسياح الأجانب، سيغريهم هذا الوجود من فنانات مصريات لم يسمع عنهن أحد في الغرب، بوصفهن فنانات محليات لا يتمتعن بشهرة الراحل عمر الشريف مثلاً».

ذراع لميس بخير

صورة جورج قرداحي مقدم البرنامج المعروف «من سيربح المليون»، بصحبة لميس الحديدي أبرز أنصار الرئيس السيسي في المؤسسة الإعلامية، التي تلعب دورا مؤثرا في توجيه الرأي العام، أثارت جدلاً واسعاً، حيث اعتبرها غالبية المشاهدين تمثل صدمه لهم وللمجتمع المحافظ على قيمه وتقاليده وعاداته، ومن بين الذين انتفضوا للدفاع عن الإعلامية رغم عدائه الشديد لمعتقدها السياسي وهجومها البالغ على قوى المعارضة وفي المقدمة جماعة الإخوان المسلمين- محمد حلمي الذي قال في «المصريون»: «وضع جورج قرداحي يده لامؤاخذة.. وهو يطوقها من خلف ظهرها إلى أن استقر كف يده واستراح على ذراعها العاري، أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي بصورة غير متوقعة وصلت إلى حد التلسين المرفوض.. أما أنا فأكتفي بالقول مُخطئ من يسيء الظن بقرداحي أو لميس.. كل ما في الأمر أن الرجل أراد الاطمئنان علي (الذراع الإعلامي) للحكومة».

هيكل في عيون الإسلاميين

رحل محمد حسنين هيكل ولازالت الصحف تنعاه على مدار الساعة ومن اللافت أن بعض الإسلاميين شاركوا في الثناء عليه من بينهم نادر بكار أحد رموز «حزب النور» السلفي الذي كتب في «الشروق»: «ليس من السهل أن ينحت الإنسان لنفسه بقلمه اسما كالذي نحته هيكل.. وليس من السهل أن يختفي بريق كل الألقاب من دكتور ومفكر ووزير، بل حتى رئيس بجوار بريق لقب «الأستاذ».. وليس من السهل أن يتحول الإنسان بكتاباته وآرائه ونفوذه وتأثيره وتحريكه لعظيم الأمور وإخفاقه في مثلها إلى حالة من الجدل على مدى عقود من الزمان.. وليس من السهل أن يحوز كل هذا، من دون أن يكون متقنا لصنعته صبورا على تطويرها، ذكيا في استغلال عوائدها.. هل يحدث ذلك في الميزان أثرا؟ أما الدنيا فمن توسط فاستفاد وصوب وانتقد وناقش ثم ترحم على الراحل ورجا عفو ربه، فأزعم أنه قد أنصف.. وأما الآخرة فلها رب عادل لا يظلم الناس مثقال ذرة. يضيف بكار: قرأت لهيكل.. وسأظل أقرأ.. وقرأت لمن هاجمه وانتقد نهجه.. وسأظل أقرأ أيضا.. أقبل من هيكل وأرفض.. وأرضى عن فكرة له وأسخط على أخرى.. وأنتقد بشدة، وأستحسن بقوة، وأسكت بحيرة. تعجبني لغته وأستاء من بعض منطقه.. وتجذبني طريقة سرده وحكايته وقد يصدني عنها بعض تصوراته.. هو ذاكرة حقيقية لحقبة ــ بل لحقب ــ شهدت تحولا محوريا في دور مصر وتأثيرها وصراعاتها وأحلامها وانكساراتها.. باختصار هو ذاكرة أفصح عن بعضها في كتاباته ولقاءاته.. صنعها هو أو شارك في صياغتها».

لا يموت من يقطن التاريخ

ونبقى في «الشروق» ومقال الدكتور علي محمد فخرو عن هيكل: «…ترجل أحد فرسان صحافة العرب، وأحد شهود أهم وأروع وأبهر حقبة في تاريخ العرب الحديث، وأحد محللي وناقدي انتكاسة ذلك التاريخ وتدهوره السريع إلى مشارف الرُّعب والعبث وهوامش الحياة. سيرته الذاتية تمتد من الصحافي البسيط المسافر في أرجاء المعمورة لتغطية الأحداث وإرسال التقارير، مرورا برئاسة تحرير أهم جريدة عربية وأقواها تأثيرا إبان الخمسينيات والستّينيات من القرن الماضي، جريدة «الأهرام»، مرورا بتقلّد مناصب وزارية في مصر ومنصب مستشار ورفيق قائد مصر وأمة العرب العروبي الثوري الاشتراكي الفذ جمال عبدالناصر، وانتهاء بالتفرُّغ للعب دور الكاتب الشّاهد على تاريخ الحقبة الناصرية، وما كان حولها وما جاء بعدها، وانتهاء بدور المعقّب والمحلّل التلفزيوني لأحزان وآلام وأمراض أمته العربية وهي تدخل القرن الواحد والعشرين الجديد. وفي أثناء ذلك كله ظل يلعب دور المثقف الملتزم بقضايا مجتمع مصر ومجتمعات العرب فكرا ومواقف وتثقيفا للملايين المعجبين المحبين. لقد قادته تلك السيرة الذاتية إلى بناء علاقات حميمة مع صناع القرار العرب وغير العرب، وعلى الأخص في أرض آسيا وأفريقيا. وقادت العلاقات الحميمة إلى الاطلاع على المخبأ والمغطّى بالأقنعة والمكياج، ما جعله في قلب السياسة، ولكن كصحافي وصاحب رأي في الدرجة الأولى، وليس كسياسي ممتهن…. ما يأمله الملايين من العرب هو أن تتغير قاهرته وقاهرتنا في القريب العاجل من كونها، كما قال وكتب المرحوم عنها، قد أصبحت مسرح عرائس لتصبح، كما كانت، مسرح أحداث عظيمة يقودها شعب عظيم. يا أيها الصديق الذي رحل، سيسأل الناس إن كانت لك أخطاء إبّان تلك السّيرة الغنيّة. وسيكون الجواب هو نعم، إذ لم تكن إلا بشرا مجتهدا وفاعلا، ولا يخطئ إلا الذين يحفرون في الواقع وفي التاريخ. أمّا نحن، محبّوك، فإننا سنذكر إنجازاتك ومحاولاتك، وسنعرف أنك مثلما كتبت في التاريخ ستبقى أيضا في التاريخ طويلا، وستصبح مادة للمؤرخين.

أما الذين كرهوا الدرب النضالي الذي سرت فيه والرايات التي رفعتها في جوانبه فإنهم لن ينصفوك، بل سيهاجمون بدون وجه حق. لكن هذا قدر من يساهمون في صنع التاريخ ومن لا يخافون عيش أحداثه».

هذا ما سيبقى من هيكل

ونبقى مع الرجل الذي ودعته مصر قبل يومين، وماذا سيبقى منه وهو السؤال الذي يجيب عليه عمار علي حسن في «المصري اليوم»: «القيمة الكبرى لهيكل هي المثل الناصع الذي تضربه مسيرته، من أن الكاتب يجب أن يظل قابضا على قلمه، حتى إن تقدم به العمر، لا يكلّ ولا يمل ولا يكسل، ولا ييأس، فالعرق وبذل الجهد والدأب والتجويد هي إحدى الركائز الأساسية للنجاح، والدعائم الرئيسية للتقدم. وهذا تقليد جيل كبير، يدرك أن العطاء لا عمر له، وأن التطوير والتحسين والتجويد فريضة، وأن الاتكاء أو الاتكال على ماض يتسرب رويدا رويدا هو انتحار. هكذا فعل نجيب محفوظ، حين ظل يكتب حتى آخر لحظة ويقول «أغلب العبقرية تعتمد على بذل الجهد»، وهكذا كانت أم كلثوم، تخاف حين تصعد المسرح، وهي على عرش الغناء، وكأنها تواجه الجمهور للمرة الأولى. وهيكل من ذلك الصنف من البشر، الذي نحتاج إلى أن نتعلم منه تلك القيمة، حتى لو اختلفنا مع توجهاته وتصوراته وتجاربه وخبرته ووعيه. والقيمة الأخرى لهيكل، بحسب عمار، هي قدرة الكاتب على تحمل ضربات لا تتوقف من كثيرين، خصوم سياسيين موجهين ضده من سلطات تتعقبه، كانت ولا تزال، هنا وهناك، وآخرين مختلفين إلى حد جارح وبارح مع أفكاره وتوجهاته، ولهم الحق والحرية في هذا الاختلاف، وبعض العابرين أو المتعجلين الذين يريدون أن يلقوا بأنفسهم في دائرة الضوء بمهاجمته لتصل إليهم أصداء شهرته، وكذلك متحفظون على أدوار للرجل انحازت في أغلب الأحيان إلى مصلحة الحكم، الذي ظل هيكل يدور حوله، حتى إن اكتوى به، تماما كفراشة تعشق اللهب، ناره ونوره. فهيكل تعامل مع كل ناقديه هؤلاء بصبر وأريحية يحسد عليها، ولم ينزلق يوما في معارك صغيرة على كل هذه الجبهات، والمرة الأساسية التي نازل، حتى تجاوز في الخصام، كانت مع الرئيس السادات، حين أتى على ذكره بكل بارح وجارح في كتاب «خريف الغضب». والقيمة الثالثة لهيكل هي قدرة الكاتب على ألا يجعل نبعه يجف، ومعينه ينضب. فقد قيل إن الرجل قد انتهى حين انقطعت أسباب اتصاله بالسلطة السياسية أيام عبدالناصر وأول عهد السادات، لأنه فقد مصدر الخبر والمعلومة والوثيقة، وقبل كل هذا فقد النظر إليه باعتباره خبيرا ببواطن الأمور، أو مشاركا في صناعة القرار، وليس فقط مطلعا عليه، أو يشم رائحته من بعيد. لكن هيكل فاجأ الجميع بقدرته على أن يكون دوما مصدرا لأخبار ومعلومات، ويكون كثيرون في انتظاره ليقول رأيه في ما يجري».

الإعلامي ظاهرة لغوية

ونبقى مع الثناء على الراحل في «الوطن» على يد محمود خليل: «الأستاذ هيكل بارع في «النحت اللغوي» القادر على ستر أوضاع، وحقائق أوجاع. يمتلك الأستاذ «هيكل» -على سبيل المثال- براءة اختراع كلمة «نكسة» في وصف ما حدث في يونيو/حزيران 1967، كان ألم المصريين عنيفاً، وإحساسهم بالسقوط مدوياً، فتمخض عقل «هيكل» عن هذه المفردة لوصف ما حدث، حتى لا تتعمق الجراحات باستخدام كلمة «هزيمة». إلى «هيكل» يعود الفضل أيضاً في سك مصطلح «مرشح الضرورة»، وليس ذلك بمقام تحليل إنتاج الرجل الغزير على هذا المستوى، لكن «هيكل» كان يؤدي بمنطق أن الإعلامي ظاهرة لغوية قبل أي شيء، وأنه يؤثر باللغة أكثر من أي أداة أخرى، حتى لو كان تأثيره بإشاعة الخطأ. التاريخ يذكر مثلاً أن «هيكل» أشاع خطأ لغوياً ساد الخطابات الصحافية والسياسية لمدة طويلة، هو مصطلح «القوتان الأعظم»، خلافاً لصحيح اللغة «القوتان العظميان». وما أكثر ما تسكع هذا الخطأ على ألسنة الساسة والإعلاميين طيلة فترة الستينيات والسبعينيات. الانطباع الثالث أننا أمام شخص «يسكن التاريخ أكثر مما يسكن الواقع»، كان لدى «هيكل» شغف شديد بالتاريخ، وولع بإسقاط أحداث التاريخ على الواقع، لا خلاف على أن إسقاطاته التاريخية أحياناً ما كانت تصح أو تصيب في تفسير حركة الواقع، لكن ذلك لم يكن مرده صلاحية فكرة أن «التاريخ يعيد إنتاج نفسه»، قدر ما كان يعود إلى الواقع المريض المفلس الذي يعيد إنتاج نفسه بلا كلل ولا ملل. «هيكل» كان حاذقاً بدرجة كبيرة في تسكين الواقع في دواليب التاريخ، لكن ظني أن الواقع المعيش بكل تفاعلاته ومشاهداته تجاوز هذه الفرضية منذ سنوات. رحم الله الأستاذ «هيكل» الذي شكل جزءاً من تاريخ الصحافة والسياسة في مصر لعقود متوالية».

أنقذوا أمناء الشرطة

وننتقل الآن إلى موضوع تجاوزات رجال الأمن والشرطة على المواطنين وما كتبه عنهم وليد علاء الدين في «المصري اليوم»: «حالات تنمر أمناء الشرطة – التي بات صعبًا أن نعتبرها فردية – هل يمكن بأي شكل من الأشكال أن تكون ضمن مخطط «عُرفي»- برضا رسمي- لكسر شوكة الشارع الذي استحق التأديب على ما اقترفته يداه من تمرد على نعمة الأمن التي يوفرها له أسياده؟ هذا سؤال صعب ومرير، ولكنه في الواقع بات من المستحيل تجاهله. كان من الممكن اعتبار الأمر حالات فردية، أو حتى التعامل مع ملف أمناء الشرطة كملف مستقل تُدرس فيه دوافعهم الداخلية أو الخارجية لهذا التنمر، ومحاولة تصحيح أوضاعهم وتطوير أحوالهم باعتبارهم منظومة مهمة لا يمكن الاستغناء عنها، بل ينبغي تطويرها ورعاية أفرادها وإصلاح علاقاتهم بالمجتمع وتقنينها بما يحقق الرضا للجميع. كان هذا الأمر ممكنًا ـ وما زال، ولكنه للأسف لن يستمر طويلًا. فالسؤال السابق – على صعوبته ـ يكتسب شرعية عميقة في كل يوم بسبب موقف وزير الداخلية السلبي، وبسبب غياب موقف رسمي حازم وواضح من رئيس حكومة مصر بوصفه مسؤولًا عن هذا الوزير… وعن هذا الأمر. وبسبب الغموض الذي تُدار به القضايا في رحلتها بين طرفيها التنفيذي والقضائي، وبسبب تلك الميوعة التي يتعامل بها مجلس نواب الشعب مع الملف؛ فإلى الآن لم نسمع عن طلب جاد لاستجواب وزير الداخلية بهذا الشأن، رغم أن الأمر يستدعي استجواب الحكومة بأكملها…. لا نتحدث عن فتح الملف بمعنى فرض عقوبات أو جزاءات أو سن قوانين متسرعة توغر الصدور، إنما بمعنى دراسة منهجية دقيقة وحاسمة وشاملة للملف بهدف تطوير منظومة الأمن وتحقيق رضاء أفرادها وتفعيل أدواتها وضبط قواعدها وتحسين شروطها وتنظيف قنوات تواصلها مع المجتمع. إن لم يحدث ذلك، فإن سؤالي الذي افتتحتُ به المقال يكتسب شرعيته الأكيدة».

رائحة كريهة في القاهرة

وننتقل من «المصري اليوم» إلى «الشعب» التي أعادت نشر مقال فهمي هويدي عن ضيوف لم ترحب بهم القاهرة رغم سعادة الرئاسة بهم: «أيحق للمرء أن يعبر عن عدم ارتياحه للزيارة التي قام بها وفد المنظمات اليهودية الأمريكية للقاهرة، وأن ينسحب عدم الارتياح على تصريحات المتحدث باسم الرئاسة عن مضمون لقاء الوفد مع الرئيس عبدالفتاح السيسي؟ ــ فالزيارة لم تكن مستحبة من الأساس، والتصريحات التي صدرت عنها جاءت منقوصة ولا تعبر بدقة عن الموقف المنتظر من مصر. حتى التغطية الإعلامية للزيارة جاءت خجولة وملتبسة وفيها من المداراة أكثر ما فيها من الإفصاح والإبانة، لذلك أزعم أن العملية كلها جاءت خصما من رصيد مصر، فالوفد المذكور بحسب الكاتب يعبر عن «اللوبي» الصهيوني في الولايات المتحدة، المعادي للعرب على إطلاقهم، خصوصا الفلسطينيين منهم. وفي الوقت ذاته فإنه يمثل مركز القوة الداعم لليمين الإسرائيلي الواقف دائما في صف «الليكود» وكل قوى التطرف الصهيوني. بالتالي فهو بمثابة خط الدفاع الأول لإسرائيل في واشنطن. وهو لا يمثل قوة ضغط على الإدارة الأمريكية فحسب، وإنما هو أيضا يتحرى المصالح الإسرائيلية في كل نشاطاته الخارجية. وليس سرا أن تلك المنظمات هي الأكثر حماسا للدفاع عن الرئيس عبدالفتاح السيسي، لا لشيء سوى أن إعلانه خوض الحرب ضد الإرهاب دفعه إلى تهدئة وتيرة الصراع ضد إسرائيل، على نحو فتح الباب لتأويلات عدة، وقد حرصت تلك المنظمات على تثبيت أسوأ ما فيها على نحو يوحي بحدوث انقلاب في الموقف المصري، يطوي صفحة الصراع الذي قادته القاهرة في دفاعها عن القضية الفلسطينية ويسقط التزامها بمقتضيات الدفاع عن الأمن القومى العربي. من ثم فإن الزيارة كانت تستهدف المصلحة الإسرائيلية أولا وأخيرا. وذلك وحده سبب كاف للامتعاض والاستهجان إزاء حدوثها. ويرى هويدي أن ما قاله المتحدث باسم الرئاسة عن لقاء الوفد مع الرئيس السيسي لم يكن مريحا أيضا».

الفاسدون يلعنهم الله

اللافت في الصحف المصرية أمس مقالة عن أهمية المصالحة بين المسلمين وهو ما شدد عليه الشيخ عبد العزيز رجب في «إخوان أون لاين»: «أنزل الله ـ عز وجل ـ على المتخاصمين والفاسدين والمتقاعسين عن الإصلاح عقوبات في الدنيا والآخرة، منها: تعميم العذاب في الدنيا: كما قال تعالى: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أن اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (الأنفال:25) واستحقاق لعنة الله، كما جاء عن عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أوَّلَ ما دخل النَّقصُ على بني إسرائيلَ أنَّه كان الرَّجلُ يلقَى الرَّجلَ فيقولُ يا هذا اتَّقِ اللهَ ودَعْ ما تصنعُ به فإنَّه لا يحِلُّ لك ثمَّ يلقاه من الغدِ وهو على حالِه فلا يمنعُه ذلك أن يكونَ أكيلَه وشريبَه وقعيدَه فلمَّا فعلوا ذلك ضرب اللهُ قلوبَ بعضِهم على بعضٍ»، ثمَّ قال: «لعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُون (79)» (المائدة) أخرجه: أبو داود وغيره. أما المتخاصمون كما يشير الكاتب فلا تفتح لهم الجنة حتى يصطلحا، كما روي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « تُفتَحُ أبوابُ الجنَّةِ يومَ الاثنينِ والخميسِ فيُغفَرُ لكلِّ عبدٍ مُسلِمٍ لا يُشرِكُ باللهِ شيئًا إلا رجلا كانت بيْنَه وبيْنَ أخيه شحناءُ فيُقالُ: أنظِروا هذينِ حتَّى يصطلِحا». أخرجه مسلم وابن حبان بسند صحيح. ولا يصلح الله أعمالهم أبدا كما قال سبحانه: «إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ» (المائدة: 81) فألفوا بين المتنافرين، ووفقوا بين المختلفين، واصلحوا بين الشركاء والجيران، وبين الزوجين والأبناء، تفوزوا بالفلاح والسعادة في الدارين، وتبعدوا عنكم الشقاء والبلاء».

تحية واجبة للأطباء

أطباء مصر الذين ثاروا من أجل كرامتهم، يجب أن ننحني لهم إجلالا وإكرامًا وإعزازًا..وهو الأمر الذي يصر عليه عصام كامل رئيس تحرير «فيتو«: «أطباء مصر يمارسون حقهم الطبيعي للدفاع عن كرامة كل مصري ومصرية، أطباء مصر الذين خرجوا في مشهد إنساني راق هم أصدق تعبير عن حالة نتمنى أن تصبح منهاجا، التعبير السلمي هو واحد من أدوات التغيير المطلوبة لا يجوز تحويلها بفعل مراهقي الإعلام إلى نكبة، فالذين خرجوا في جمعيتهم العمومية لم يخرجوا ضد النظام. الذين خرجوا في غضبة ضد الإهانة هم مصريون يجب أن نفخر بهم، محاولات البعض «أخــــونة» كل احتجاج أو اعتراض، إنما يراد بها لهذا الشعب أن يعتـــبر الحذاء فوق رأسه كرامة وآية، محـــــاولات السطحيين والمنافقين وكذابي زفة كل نظام، تشويه صورة مشرقة هي تشويه لتجربة السيسي ذاته، الذين تحولوا بالسباب ضد الأطباء هم الأعداء الحقيقيون ليناير/كانون الثاني ويونيو/حزيران، وهم الأعداء الحقيقيون للرئيس. لا يمكن أن نتصور أن كل محتج ضد طغيان وقع عليه، ضد ظلم تعرض له، ضد عمل غير آدمي مورس عليه، أنه عدو الوطن، وإلا تحول هذا الوطن إلى طبقة من العبيد لا كرامة لهــــم، ويخطئ من يتصور أن الأطباء- كل الأطباء- خرجوا ضد أمين شرطة أو ضابط، أو لواء.. أطباء مصر خرجوا إحياءً لمبدأ وشعار وقيمة، خرج الأطباء من أجل مصر والمصريين، خرجــــوا برقي، خرجوا ملتزمين بالقانون، خرجوا لكي يقولوا: لا لكل من يهين كرامة المصري، سواء كان طبيبًا أو خفيرًا. ويؤكد الكاتب أن الحملة المسعورة التي يقودها البعض لشيطنة حركة الأطباء المباركة هي ذاتها التي كانت منطلقة على مدى تاريخ مبارك».

&