سمير عطا الله& &

في مقاله الأسبوعي الثلاثاء الماضي أخذ الأستاذ غسان الإمام على الوحدة الأوروبية مجموعة مآخذ، بينها أنها تتحدث 28 لغة مختلفة. وهذه في الحقيقة عقبة أساسية أمام المتحدات. ويعزو البعض نجاح الفيدرالية الأميركية، أولاً، إلى أن ولاياتها تستخدم لغة واحدة، وثانيًا، أن هذه اللغة هي الإنجليزية. لغة العالم الأولى.

لكن لو أردنا أن نوحد لغة أوروبا فماذا نختار لها؟ الجواب السريع هو طبعًا الإنجليزية، التي يتفاهم بها الأوروبيون في مراسلاتهم وفي تنقلهم، في أي حال. لكن هل نلغي الفرنسية وأربعة قرون من الفكر والآداب؟ هل نلغي الألمانية والآثار الفلسفية والعلمية؟ هل تهمل أوروبا الإسبانية لغة أميركا الجنوبية والوسطى، فيما عدا البرازيل؟ ماذا عن الإيطالية وجمالاتها الموروثة؟ وماذا عن اليونانية، أم الحضارة الأوروبية، مع أن مهدها هو اليوم في حالة رثة؟

قد يكون الحل في اعتماد لغة رسمية واحدة، وترك كل بلد للغته الأم. وفي هذه الحال، الإنجليزية، لكن ماذا عن كرامة ألمانيا سند أوروبا الأول؟ هل سنرغم المستشارة ميركل على مراسلة فرنسوا هولاند بالإنجليزية؟ إن مشكلة أوروبا هنا هي غناها الحضاري، وليس العكس. وحتى اللغات الثانوية، كما في بلجيكا، ترفض الانزواء. وإذا ما وقع الانفصال هناك، كما هو متوقع، فسوف تكون لغتا البلاد هما السلاح، لأن الفرنسية والفلامنكية تمثلان هويتين مختلفتين ومتناقضتين. ووفقًا لـ«النيويورك تايمز» بأن الانفصال أصبح وشيكًا مع تصاعد الخلاف بين الأسرتين حول الموقف من المهاجرين: انفتاح فرنسي، وتشدد فلامنكي.

للغات الأخرى في أوروبا آدابها وتراثها: البولندية، والإسكندنافية، والرومانية، وغيرها، لكنها بغير امتداد عالمي وتاريخي، كالتي ورد ذكرها في البداية. إن أوروبا الاستعمارية خلصت بعد قرون من الحروب إلى أنها أصبحت متحفًا حضاريًا في الآداب والفنون والعلوم. وفي إمكان المصانع الألمانية والفرنسية أن تصنع طائرة واحدة، هي «إيرباص»، لكن ليس في الإمكان تدريس غوته باللغة الإنجليزية في برلين.

غير أن ثمة ظاهرة عالمية لم تنجُ منها كبرياء أوروبا في أي حال، وهي زحف الإنجليزية كلغة تخاطب مشترك في كل مكان. قبل نصف قرن لم تكن تجد ألمانيًا يتحدث الإنجليزية في الشارع، أو فرنسيًا أو إسبانيًا أو يونانيًا أو بلجيكيًا. الآن، نادرًا ألا تجد O.K؟

&

&&