&عبدالحق عزوزي

توجت القمة الخليجية المغربية الأولى ببيان ختامي فريد من نوعه في ظرفية عربية خاصة لم تعد تسمح للقاءات عابرة ولا لبيانات تعج بالعموميات والأساليب الرنانة والإطناب الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.

فالوضع العربي خطير جداً كما أكد ذلك جلالة الملك في خطابه: «إن هذه القمة تأتي في ظروف صعبة، فالمنطقة العربية تعيش على وقع محاولات تغيير الأنظمة وتقسيم الدول، كما هو الشأن في سوريا والعراق، وليبيا مع ما يواكب ذلك من قتل وتشريد وتهجير لأبناء الوطن العربي..»، فها نحن نرى الويلات المتتالية التي تصيب اليمن، والعراق دخل في شبه حرب طائفية وقومية لا يختلف اثنان على أن البلد ذاهب إلى تقسيم سريع محكم البنيان، ومجهز من الخارج والداخل لتقويض دعائم بلد يعج بالخيرات الطبيعية، ويستحيل أن يقبل الأكراد الخضوع إلى سلطة مركزية ضعيفة ومسيرة من الخارج، ولا الشيعة أن يوافقوا على مشاركة القصعة السياسية بمناصفة مقبولة مع الآخرين، فالتقسيم الثلاثي للبلد لا مفر منه، كما أن التقسيم في ليبيا مسألة مريرة قد تصل إليها البلدة في ثلاثية جغرافية يتصارع عليها الثقلان إن لم تتدارك الأوضاع سريعاً. أما سوريا التي نزح منها الملايين من البشر وشُرد أهلها وقتلوا وأصبحت عاصمة للمتدخلين من الدول والمنظمات والجماعات الإرهابية والقوى الدولية، فلن تعود موحدة البتة وكل التكهنات الجادة توحي بأنها ستكون على الأقل كونفدرالية، أو حتى مقسمة. الكلام سيطول بنا إذا تحدثنا عن هذه التقسيمات، إلا أنها بالقطع ستحدث شرخاً في جدار وحدة الدول وستخرب الأوطان وتدمرها لنقع نحن العرب في فجوة عميقة وداهية ومصيبة آزفة ليس لها من دون الله كاشفة.

وبسبب هذه الأوضاع المزرية، حذّر العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطابه من «مخططات مبرمجة» تستهدف الدول العربية، ومؤامرات تستهدف المساس بالأمن الجماعي لدول الخليج والمغرب والأردن، التي وصفها بأنها واحة أمن، مؤكداً أنه يعتبر أمن واستقرار الخليج من أمن بلاده»، فالمغرب دولة مستقرة ومنفتحة استطاعت أن تقطع أشواطاً في تثبيت وتجذير أسس الدولة الحديثة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأصبحت فاعلاً محورياً في أفريقيا وأوروبا والفضاء المتوسطي، وعامل ردع للإرهاب العابر للقارات بفضل حنكة مؤسسته الملكية وقوة أجهزته ومؤسساته وتتقاسم مع دول الخليج العربي نفس القواسم ونفس المصير المحتوم، ودول الخليج العربي هي واحة أمن واستقرار بفضل عوامل النمو والتنمية التي حققتها وعوامل الثقة التي تجمع الحاكمين بالمحكومين، ولكنها واحات وسط براكين راكدة أو مشتعلة تستلزم سياسات استراتيجية مبنية على التعاون الأمني والسياسي والاقتصادي بين دول الخليج والمغرب.

لذا لم يغب في البيان المشترك، تأكيد قادة الدول موقفهم الداعم لمغربية الصحراء، ومساندتهم لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب، كأساس لأي حل لهذا النزاع الإقليمي المفتعل، كما أعربوا عن رفضهم لأي مس بالمصالح العليا للمغرب إزاء المؤشرات الخطيرة التي شهدها الملف في الأسابيع الأخيرة، ومن جهة أخرى عبّر القادة عن التزامهم بالدفاع المشترك عن أمن بلدانهم واستقرارها واحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها وثوابتها الوطنية، ورفض أي محاولة تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ونشر نزعة الانفصال والتفرقة لإعادة رسم خريطة الدول أو تقسيمها، بما يهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي، وانطلاقاً من هذه الثوابت، أكدت القمة أن دول مجلس التعاون والمملكة المغربية تُشكل تكتلاً استراتيجياً موحداً، حيث إن ما يمس أمن إحداها يمس أمن الدول الأخرى.

المسألة إذن دقيقة وفي غاية التعقيد والخطورة وتستلزم أجوبة استراتيجية رائدة، ويمكن التأكيد على أن المنظومة الخليجية والمغرب أسسا اليوم لهذه المعادلة الاستراتيجية، التي تقوم على الشراكة وعلى المصير المشترك، وعلى تشخيص المشكلات وتجنبها قبل وقوعها أو مواجهتها استراتيجياً، بما يضمن ترجمة الأغراض إلى تأثيرات تشكل البيئة الاستراتيجية على النحو الأفضل، ضامنة المرونة والقدرة على التكيف والهجوم الاستراتيجي على الأعداء والمناوئين وواضعة الحدود للوصول إلى النتائج المرجوة.

آخر الكلام: هناك عقدة لا تزال في أدبيات البيت الأبيض، أن أي تحذير خليجي من الدور الإيراني في المنطقة يعني الاستنجاد التقليدي لمواجهة نظام إيران، وهذه من أكبر الأخطاء، لأن كل ما تتطلبه المنظومة هو عدم مكافأة إيران على إرهابها.. و«عاصفة الحزم» وقبلها «درع الجزيرة» وتأسيس التحالف الإسلامي العسكري، كلها لم تنتظر الضوء الأخضر الأميركي، وأن المنظومة أسست لعلاقات جديدة مع الحليف الأميركي على الشراكة، وليس على الاستنجاد، ويخطئ الخاطئ إذا ظن في القرن الحادي والعشرين أنه يجب أن يكون «محمية لأحد».