&عبدالسلام بنعيسي

&احتدم الصراع واشتد بين المغرب والجزائر. انتقل هذا الصراع إلى المجال العربي وأضحى فضاء مفتوحا له. حضور الملك محمد السادس أشغال مؤتمر القمة الخليجي/ المغربي بالرياض قوبل من طرف الدولة الجزائرية بإيفاد مبعوث جزائري إلى العاصمة دمشق حيث استقبل هناك من طرف الرئيس السوري بشار الأسد. جلُّ المراقبين السياسيين ربطوا زيارة المبعوث الجزائري لسورية بحضور الملك محمد السادس أشغال مؤتمر القمة الخليجي، والمساندة التي تم الإعلان عنها من طرف الخليجيين في الرياض لمغربية الصحراء، وتأييد الوحدة الترابية للمغاربة، ورفض المس بها.

&تريد الدولة الجزائرية أن تكسب تعاطف الرأي العام العربي والإسلامي ودعمه لسياستها في المنطقة، ونفس الشيء يسعى إليه المغرب. الصراع يتم على هذا المستوى. ظاهريا تبدو الجزائر في سياستها الخارجية متقدمة ومستقلة وثورية، وأن سياستها تصب، في كل القرارات التي تتخذها، في الاتجاه الاستقلالي الذي تطمح إليه الشعوب العربية، فلقد رفضت تصنيف حزب الله حزبا إرهابيا، ولم تقبل، الانخراط في التحالف العربي الذي أنشأته السعودية لمحاربة الحوتيين في اليمن، وقطع علاقاتها الدبلوماسية بسورية، وما زالت الصلات ودية بينها وبين إيران، وبخلافها، قبِل المغرب أن يكون عضوا في التحالف السني الذي أنشئ لمواجهة إيران، وشارك في حرب اليمن، وصنَّف حزب الله تنظيما إرهابيا، وقطع علاقاته بسورية.

&في المشرق العربي تبدو سياسة الجزائر متقدمة على نظيرتها المغربية، إنها مستقلة نسبيا، وتحافظ على تميزها، ولا تخضع للضغوطات السعودية، وتتجه صوب العمل من أجل صدِّ تأثير النفوذ الخارجي عن العالم العربي. هذه السياسة الجزائرية تتبلور في منطقة المغرب العربي بطريقة مختلفة كليا عن ذاتها في المشرق، بل إنها معاكسة لها تماما. سياسة الجزائر في المغرب تروم بتر الصحراء المغربية عن الوطن الأم، وخلق دولة قزم في المنطقة، دولة ستكون شوكة في حلق المغرب والجزائر وموريتانيا وعموم دول المغرب العربي.

&سياسة تجزئة المجزأ وتفتيت المفتت وبلقنة الخارطة الجغرافية العربية وشرذمتها التي تنتهجها أمريكا في العالم العربي، وتمولها، على شكل حروب طائفية، بعض الدول الخليجية، هذه السياسة تنهجها الجزائر، وتمعن فيها منذ 1975 مع جارتها المغرب. فكما تتم مهاجمة اليمن، وسورية، وإضرام حرب أهلية فيهما، وكما تم توفير جميع الوسائل والإمكانيات لأمريكا من أجل غزو العراق، واحتلاله، وتدميره، وتقسيمه، نفس الشيء تقوم به الدولة الجزائرية مع المغرب، حين تُجنِّد كل طاقاتها وتُعبِّئها بغية سحْبِ جزء من أرضه منه، وإنشاء دولة فيه، لا تتوفر على الحد الأدنى من مقومات الدولة.

&الجزائر التي تسوق عن نفسها أنها دولة تقدمية ورافضة للمخططات الإمبريالية الهادفة إلى تمزيق منطقة المشرق العربي تقوم هي بنفسها بسن السياسة التمزيقية في المغرب العربي، والرباط المتحالفة مع دول الخليج، بحثا عن مصالحها الخاصة بها، تتمسك بوحدتها الترابية، وتدخل في نزاع مع أمريكا في مجلس الأمن لرفضها التقسيم الذي تتخذ منه الجزائر خيارها الاستراتيجي في المنطقة. فمن من الدولتين حقا مع التجزئة والتفتيت والتقسيم في العالم العربي؟ ومنْ من الدولتين لها موقف تقدمي وتحرري ومناهض في العمق للسياسة الإمبريالية الهادفة إلى التجزئة والتفتيت في عالمنا العربي؟؟ هل الجزائر أم المغرب؟؟&

دعْنا من خرافة تقرير مصير الشعب الصحراوي، فهذا كلام أخلاقي يقال للاستهلاك الإعلامي، ولإخفاء الهدف الحقيقي للسياسة الخارجية الجزائرية تجاه جارتها المغرب. السياسة بالنسبة لكل الدول تُبنى على المصالح المادية الصرفة، وليس على الأخلاق والمثاليات، وادعاء تبني المبادئ المجردة. الجزائر تتصرف على أساس أن إنشاء كيان وهمي في جنوب المغرب، أمرٌ سينتهي بتقزيم الدولة المغربية، وسيصير المغرب، نتيجة لذلك، دولة صغيرة وضعيفة أمام الجزائر الكبيرة والقوية، وبهذا سيصبح النفوذ الجزائري سائدا وطاغيا في المغرب العربي، ماديا ومعنويا.

&تنسى الجزائر أن التقسيم إذا نجح في المغرب، وتمكن منه، فإنه سيمتد لا محالة حتى إلى الجزائر نفسها، وربما إلى موريتانيا، وليبيا، وتونس. وإذا نجح التقسيم في المغرب العربي، فإنه سينتقل إلى المشرق، والعكس صحيح أيضا. ولا تنقص الدول الامبريالية الوسائل لاختلاق المبررات والأعذار لإحداث التقسيم في أي دولة من دولنا العربية. الأعذار والمبررات متوفرة بالجملة في كل دولة، والتقسيم وباءٌ تنتقل عدواه بين الدول كما كان ينتقل الجرب والكوليرا في مناطقنا الفقيرة والجائعة..&

بدل النزاع والصراع بين المغرب والجزائر حول من يكسب أمريكا والخليج والدول الأوروبية والإفريقية، وكل دولة منهما تنفق من أموالها، وتتخلى عن جزء من سيادتها لتحقيق نصر وهمي على الأخرى، بدل ذلك، من الأفضل للدولتين الجلوس معا إلى طاولة المفاوضات، والتفاهم بينهما لإيجاد حلول للمشاكل القائمة بين البلدين، وتوحيد صفوفهما ومعهما دول المغربي في تجاه أن تكون هذه الدول، كتلة موحدة، تستطيع أن تلعب دورها المنوط بها في المشرق العربي لإطفاء لهيب النيران التي تلتهمه، ولإحياء قيم التضامن بين دوله وشعوبه، والتفرغ لململة الجراح وإعادة الإعمار وتحقيق التنمية والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني من أجل نيل حقوقه المشروعة والتصدي للمشاريع الصهيوأمريكية في عالمنا العربي.&

المخاطر التي تهدد منطقتنا صارت كبيرة وكبيرة جدا، ولم يعد لدى، لا المغرب ولا الجزائر، ترف الاستمرار في خلافهما الذي ساد منذ ما يفوق الأربعين سنة. الأوضاع في العالم تغيرت رأسا على عقب، عما كانت عليه في سبعينات القرن الماضي، ودولنا أصبحت، حقيقة لا مجازا، مهددة في كيانها ووجودها. التقسيم قد يطاولها الواحدة تلو الأخرى.

&ولذلك فإن لا مناص للمغرب والجزائر من نبذ خلافاتهما، وتوحيد صفوفهما، بنظرة متطلعة إلى المستقبل، ومختلفة عما ظل سائدا لحد الساعة. فهذا هو الخيار الوحيد المتاح والممكن للدولتين معا للحفاظ على كيان كل واحدة منهما موحدا، وآمنا، ومستقرا. ما عدا ذلك، ستجتاح المنطقة، لا قدر الله، الفوضى الهلاكة التي سيؤدي أبناء الشعبين الشقيقين ثمنها باهظا جدا..