&هتون الفاسي

ما أن أقلعتُ بعيدة عن مطار الإسكندرية وفي أقل من أربع وعشرين ساعة على وجودي على الشاطئ الساحر لشمال مصر حتى سمعنا بخبر الطائرة المصرية المنكوبة المسافرة من باريس إلى القاهرة وسقوطها على مبعدة نصف ساعة من وصولها وجهتها. خبر محزن وقلوب مبعثرة كما هو الحال مع كل من نفقدهم من مأمنهم.. فصبّر الله أهاليهم ورحم الأموات وأسكنهم فسيح الجنات.

وفي الإسكندرية كان لقاءً متجدداً مع المنظمة المصرية لتنمية الأسرة في حوارها المستمر مع المشايخ والدعاة من أفراد المؤسسات الدينية المصرية وغير المصرية، وكانت هذه الجولة باستضافة من المعهد السويدي بالإسكندرية الذي يدعم كثيرا من المبادرات المدنية. وهذه الورشة التي عُنونت بـ"عدالة النوع في الإسلام" كانت امتداداً للقاء سابق من ثلاثة أعوام في مكتبة الاسكندرية حين دُعي مشايخ الأزهر إلى الاستماع إلى طروحات وهموم ومعالجات النسويات الإسلاميات المعاصرة للشأن الديني ومن ثم لهم لإبداء الرأي، ومن عامين في شرم الشيخ كان لقاء لمناقشة المواطنة بين الدين والدولة في حوار مباشر مع المؤسسة الدينية المتمثلة في الأزهر ووزارة الأوقاف، والأسبوع الماضي في المعهد السويدي كان لقاء آخر من الحوار حول عدالة النوع والذي افتتحته نائبة رئيس المعهد د. جافيرا ريزوي قباني وهي من الجالية السويدية المسلمة، وتحدثت عن هموم المسلمين في السويد.

ومن ثم كانت الكلمة الطويلة للشيخ د.د سعدالدين الهلالي ممثلاً المجلس القومي للمرأة، ذي الطروحات الثورية على مستوى تجديد خطاب الأزهر والخطاب الديني والفتوى المعاصرة بشكل عام ولاسيما فيما يتعلق بالمرأة، غير أن مواقفه السياسية غير الموضوعية تقلص من تأثيره على المستوى الأكاديمي ويبقى مؤثراً شعبياً من خلال كشفه اللثام عن العديد من أقوال الفقهاء غير المشهورة والميسرة على الناس. واستمر اليومان ما بين شد وجذب بكل احترام للاختلاف في الرأي ومحاولة للفهم والتقارب الفكري وتفهم المقاربات النسوية في أمر السلطة الدينية واحتكارها للنص والمعلومة وكان النقاش طويلاً حول حدود الاحتكار والتخصص ولم نصل إلى اتفاق نهائي.

وكانت ورقتي حول المرأة والحيّز المقدس في مناقشة لعلاقة المرأة بالمسجد سواء كان بالحرمين الشريفين أو المساجد الأخرى والقيود المفروضة على المرأة عملياً فيما لم ينزل في كتاب أو سنة. وتأكيدي على أن أماكن العبادة حق مشاع للنساء كما للرجال نظرياً وليس عملياً، وهو ما سوف أتناوله في مقالة مستقلة.

كما كان هناك استعراض لدور حركة مساواة الدولية في ملء فراغ الاحتياج النسائي لمساحة من المشاركة في امتلاك المعرفة تقوم بإنتاجها المرأة العالمة والتي طرحت الكثير من الإجابات على مستوى القضايا الخلافية ومواطن الشبهة والتمييز ضد النساء كالقوامة والولاية والقيادة الدينية والسياسية والعدالة في قوانين الأسرة على مستوى العالم الإسلامي وغير الإسلامي حيث الأقليات الإسلامية واحتياجاتها المختلفة مما استعرضته عضوة مجلس إدارة مساواة د. مروة شرف الدين. وكانت ورقة الشيخ د.أحمد ممدوح، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، متميزة وهو يتتبع موقع المرأة في المناصب القيادية الدينية ليفصح عن تلقيه العلم والإجازة من عدد من الشيخات المعاصرات في مصر والمغرب وأن تقليد شد الرحال لتلقي العلم عن النساء العالمات عرفه كبار العلماء منذ أزمان بعيدة من بينهم البخاري وابن تيمية والسخاوي.

أما د.أميمة أبو بكر، أستاذة الأدب المقارن في جامعة القاهرة فقد قامت باستعراض مفهوم الرياسة في التراث الإسلامي بتتبع مصادره أفقياً ورأسياً في كتب التراجم والطبقات لتصل إلى أن أول من استخدم اللفظة كتفسير للقوامة كان الشيخ محمد عبده في بداية القرن العشرين، وأوصت في نهاية الورشة باستحداث فقه جديد باسم "فقه النوع" ليقوم بتناول القضايا المعاصرة مما تلح علينا اليوم.