&لبنان: إحياء ذكرى المصالحة التاريخية بين الموارنة والدروز وتأكيد على انتهاء حرب الجبل الى غير رجعة

&

سعد الياس&

& شهد قصر المختارة في نهاية الاسبوع يوماً وطنياً في الذكرى الـ15 لمصالحة الجبل التاريخية التي رعاها البطريرك الماروني الكاردينال نصرالله صفير ورئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط، وتأكد أن مصالحة الجبل طوت حقبة مريرة من «حرب انتهت إلى غير رجعة» كما جزم الزعيم الدرزي مستعيداً عبارة من خطاب إرساء المصالحة مع «القامة الوطنية الشامخة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير في 4 آب/اغسطس 2001».وتميّزت الكلمتان اللتان ألقاهما البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط بتقاطع واضح عند دلالات المناسبة اولاً وعند التشديد على اولوية الانتخابات الرئاسية تالياً الامر الذي أبعد المناسبة عن التكتيكات السياسية بعد توقع بعضهم اعلان النائب جنبلاط دعماً صريحاً لأحد المرشحين الى الرئاسة في اشارة الى العماد ميشال عون.

وسأل البطريرك الراعي تعليقاً على جولات الحوار الاخيرة وفي رد ضمني على اثارة مسائل ابتعدت عن الملف الرئاسي كطرح إنشاء مجلس الشيوخ «ما الجدوى من طرح جميع المواضيع قبل انتخاب رئيس للجمهورية هو وحده الكفيل بقيادة طرحها والنظر فيها؟».

وإذ دعا الى مصالحة بين فريقي 8 آذار و14 آذار والوسطيين اعتبر ان احياء الدولة يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية « الذي هو الباب وعبثاً التسلق الى الدولة من مكان آخر».

واضاف البطريرك الراعي «جميل هذا اليوم الذي يجمعنا في دارة الزعيم الوطني الاستاذ النائب وليد جنبلاط، لإحياء الذكرى السنوية الخامسة عشرة لمصالحة الجبل التي أرسى أسسها مع صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير في 4 آب 2001، في زيارته التاريخية التي شملت معظم بلدات الجبل بمختلف أقضيته. فالشكر لكم على هذه المبادرة وللسيدة قرينتكم على هذا الاستقبال الحافل. ففيها نلتزم جميعنا كل من موقعه من أجل استكمال هذه المصالحة بتوفير إطارها الروحي والاجتماعي والاقتصادي والإنمائي، بحيث تعود الحياة إلى الجبل كسابق عهده، إخاء وحياة اجتماعية ناشطة».

وتابع مخاطباً جنبلاط: «فيومها قلتم، يا معالي وليد بك، لصاحب الغبطة والنيافة: «استأذنكم لأعلن أنّ حرب الجبل قد ولت إلى غير رجعة. معكم نحمي الجبل، نحمي لبنان، ونحمي العيش المشترك في كل مكان». وفي الواقع، من أجل هذه الغاية قام البطريرك معك بالتحدي الكبير في تلك الظروف، وأطلقتما المصالحة التاريخية. واليوم هو معنا بالروح والصلاة، ونحن نواصل المسيرة إياها ببناء مداميك هذه المصالحة من أجل حماية الجبل ولبنان. وغبطته مقتنع، كما أعلن يومها، «أن إصابة الجبل هي إصابة مقتل، كإصابة القلب في الجسم».

واستطرد الراعي «أما اليوم، فكلنا نتطلع إلى المصالحة السياسية بين فريقي 8 و14 آذار والوسطيين. فكما أن مصالحة الجبل أعادت الحياة إليه وإلى مجتمعه، كذلك بالمصالحة السياسية منوط إحياء الدولة ومؤسساتها الدستورية بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية الذي هو الباب. فعبثاً نحاول التسلق إلى الدولة من مكان آخر. وما الجدوى من طرح جميع المواضيع قبل انتخاب رئيس للجمهورية وهو وحده الكفيل بقيادة طرحها والنظر فيها كلها، عبر برلمان هو المكان المخول طبيعياً وبسلطة للتشاور والتداول والتصويت واتخاذ القرار. وبأي حق يعطل انتخاب الرئيس لهذا أو ذاك من الاعتبارات، ويتعطل معه بالكلية المجلس النيابي، وتتعثر الحكومة، وتدب الفوضى في المؤسسات العامة، وتتوقف التعيينات، وتستسهل عادة التمديد مع حرمان العديد من المستحقين، وينطبق خناق الفقر والحرمان على المواطنين، وتنشل الحركة الاقتصادية، وتتناقص فرص العمل، ونخسر سنوياً بالهجرة المئات من قوانا الحية، فيما البلاد تغرق بالنازحين الذين أصبحوا نصف سكانها. من يحق له أن يمارس عملاً سياسياً منافياً للخير العام ومعطلاً لحياة الدولة؟».

وخلص إلى القول: «عند مبادرة مصالحة الجبل كان رجلان كبيران جريئان قاما بها: البطريرك صفير والزعيم وليد بك جنبلاط. فلو انتظرا قراراً من الخارج، كما يجري حالياً، لما حصلت المصالحة حتى يومنا. واليوم مبادرة انتخاب رئيس للجمهورية تحتاج إلى رجالات دولة كبار من هذا وذاك من الفرقاء، يدركون أن الحل يأتي من الداخل، بشجاعة التجرد من المصلحة الذاتية، وبغيرة النظر إلى مصلحة البلاد التي تعلو الجميع. من هذا المنطلق، يمكن الذهاب إلى مصالحة وطنية تضع يدها على الجرح الحقيقي في الحوار، وتحمي دولة لبنان من الانهيار. نحن نصلي كي يخرج الله مثل هؤلاء. فهو السميع المجيب».

وكان النائب جنبلاط الذي شارك معه في الاحتفال الامير طلال ارسلان قال في كلمته «مع تدشين كنيسة السيدة (سيدة الدر)، نتطلع لأن تدرّ علينا الأيام الآتية المزيد من الحكمة والوعي والمسؤولية لمجابهة الصعاب المتنامية من كل حدب وصوب. مع تدشين كنيسة السيدة نتمنى أن تدر علينا الأيام المقبلة رئيساً للجمهورية كي نحفظ جميعاً لبنان من الرياح العاتية. مع تدشين كنيسة السيدة، نرجو أن تدر علينا الأيام القادمة حلولاً لمشاكلنا المعقدة فتستعيد المؤسسات المعطلة دورها المنتظر وتعود عجلة الدولة إلى الدوران بإنتظام. مع تدشين كنيسة السيدة، نأمل أن تدر علينا الأيام المقبلة تثبيتاً لمناخ المصالحات بين اللبنانيين والحد من الانقسامات القاتلة. لكن، بعيداً عن الأمنيات والمناجاة، فإننا نؤكد اليوم، في هذا اللقاء الوطني الجامع، على تمتين مصالحة الجبل التي كنا أرسينا أسسها مع تلك القامة الوطنية الشامخة، البطريرك صفير، في زيارته التاريخية إلى المختارة في آب سنة 2001. وإسمحوا لي أن أستعيد عبارة واحدة من خطابي في تلك المحطة، إذ قلت وأكرر: «حرب الستين ورواسبها انتهت إلى غير رجعة، وحرب الجبل لا رجعة لها».

وأضاف جنبلاط «في الوقت الذي تلتهب المنطقة العربية والإسلامية وتشتعل فيها النيران، وفي الوقت الذي تخطى الإرهاب الحدود الجغرافية بين الدول راسماً بالدم كل أشكال القتل والإجرام والتدمير، نؤكد في لبنان إحياء مناخ المصالحة والتقارب بين اللبنانيين، ونبعث برسالة إلى العالم أن لبنان يستطيع أن يقدم مثالاً فريداً في حماية التعددية والتنوع. قد نختلف في مقاربتنا لهذا الملف أو ذاك، لهذه القضية أو تلك، ولكننا سنتمسك بالثوابت: ثوابت المصالحة، الوحدة الوطنية، السلم الأهلي والعيش المشترك والحوار. لقد أثبتت كل التجارب، السياسية منها أو العسكرية، أن أي أثمان تسدد في سبيل السلم أرخص من أثمان الحرب والقتل والدمار». وتابع «إلى البطريرك الراعي، زيارتكم إلى داركم، دار المختارة اليوم، بعد تدشين كنيسة السيدة (سيدة الدر) يعكس حرصكم على التقارب بين اللبنانيين ورفضكم لقيام أي حواجز سياسية أو نفسية بينهم. زيارتكم تأكيد على العيش المشترك بين اللبنانيين جميعاً الذين يلتقون تحت سماء لبنان الكبير الذي تصادف الذكرى المئوية لولادته بعد سنوات قليلة، فلنحافظ عليه جميعاً بعيداً عن المصالح والحسابات الفئوية والشخصية».

وحضر الاحتفال ممثلا رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام والرئيسان ميشال سليمان وامين الجميل، وممثلون عن الرئيس سعد الحريري والرئيس نجيب ميقاتي والامين العام لحزب الله ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز نعيم حسن والسفير البابوي في لبنان المونسنيور غابرييلي كاتشيا وحشد من الوزراء والنواب وأبناء الجبل.