هاني الظاهري

عن أحد أشهر البنوك السعودية صدر قبل أيام قليلة تقرير بعنوان «نظرة عامة على الاقتصاد السعودي» توقع أن تسجل ميزانية المملكة لعام 2016 عجزا بمقدار 310.7 مليار ريال، وتوقع كذلك أن يتباطأ نمو الاقتصاد السعودي ليصل إلى نحو 1.7 % نظرا إلى التحديات الاقتصادية التي واجهتها السعودية على مدار الـ18 شهرا الماضية من انخفاض في تدفق الإيرادات نتيجة لاستمرار تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية.

وبالأمس جاء التحرك المهم من مجلس الوزراء السعودي لزيادة الإيرادات غير النفطية للمملكة من خلال حزمة قرارات من شأنها أن تعزز متانة الاقتصاد الوطني دون أن تحمل المواطن أي أعباء إضافية، فقد اقتصرت القرارات الجديدة على تعديل بعض الأنظمة بما يخدم الاقتصاد ويعزز أمن المجتمع في الآن ذاته، وهذه توليفة صعبة نظريا لكنها في السياق المعتاد للسياسة الداخلية السعودية التي تراعي بشكل كبير راحة المواطنين في كل تشريعاتها التنظيمية.

من أهم ما تضمنته التعديلات الجديدة ما يتعلق بنظام المخالفات المرورية إذ اتخذت الحكومة موقفا صارما من ظاهرة التفحيط القاتلة المنتشرة بين المراهقين بشكل يهدد أمن المجتمع بأكمله، وهذا ليس مستغربا إذا علمنا أن المملكة تتصدر قائمة دول العالم في الحوادث المرورية حيث يبلغ معدل الوفيات في حوادث الطرق في السعودية نحو 17 قتيلا يوميا بمعدل حالة وفاة كل 40 دقيقة، فيما يتجاوز عدد المصابين سنويا 68 ألف مصاب وتتجاوز الخسائر المادية 13 مليار ريال في السنة بحسب بعض الإحصاءات، وهذه أرقام تتجاوز ضحايا بعض الحروب الكبرى في العالم ولذلك يوصف الأمر بأنه «إرهاب الشوارع» ولا بد من معالجته بشتى السبل.

طالت التعديلات الجديدة أيضا رسوم التأشيرات لكنها ظلت أقل من معظم الرسوم المطبقة في الدول الأخرى، وبالرغم من كل التحديات الاقتصادية التي تواجهها تكفلت المملكة بصفتها القيادة الروحية للعالم الإسلامي والقائمة بخدمة بيت الله الحرام بتحمل الرسوم عن الحجاج والمعتمرين الذين يؤدون الفريضة للمرة الأولى، وهذا مدعاة فخر وعزة لكل منتمٍ لهذا الوطن وليس غريبا على دولة شرفها الله بهذه المكانة الدينية الرفيعة ويحمل قادتها منذ عقود بكل فخر لقب خادم الحرمين الشريفين.

من جهة أخرى طالت التعديلات رسوم بعض الخدمات البلدية «الإعلانية تحديدا»، فالسعودية كما هو معلوم أكبر سوق للإعلانات التجارية في الشرق الأوسط وهي البئر الذي لا ينضب لهذه التجارة نظرا للطبيعة الاستهلاكية للمجتمع، والتوجه الحثيث إليه من قبل كبرى شركات الدعاية والإعلان في العالم، ومن حق الدولة أن تستفيد بالقدر الممكن من هذه السوق بما يعود بالفائدة على اقتصادها ورفاهية مواطنيها، كما أن من الممكن توسيع الاستثمار الحكومي في هذا المجال بشكل أكبر من الموجود حاليا وأظن أنه أصبح مطلبا لا ينبغي التأخر عنه.