&عبدالله بن بخيت&

يتهم المتزمتون الكتّاب بتهم خطيرة. عملاء لإسرائيل وملاحدة ويحاربون الإسلام ويحرضون ضد أوطانهم إلخ. كل تهمة من هذه التهم تستوجب المحاكمة بالخيانة العظمى. لم يخصص المتزمتون تهمة لكل كاتب. كل كاتب نالته كل هذه التهم. في حملة يصبح ملحداً وفي أخرى يصبح محارباً للإسلام وفي ثالثة يصبح محرضاً على البلاد وعميل وصهيوني إلى آخر الحملات المتوالية. اتهامات أخلاقية ودينية وسياسية واجتماعية. من حيث المبدأ لا يمكن أن تجد إنساناً فاسداً وشهوانياً وغير وطني وضد بلاده وملحداً في نفس الوقت.&

ما الذي يمكن أن نتعلمه من هذه الوحشية الإعلامية. في بداية كتاباتي في الشأن العام كنت أغضب من أي تهمة وأرتعب. كان غضبي يعود لسببين. الأول أن كل التهم التي كانت تكال لي باطلة والثاني أن أياً من هذه التهم قد تستغل للجرجرة في المحاكم (وقد حصل) أو أن تشجع صبياً جاهلاً للقيام بواجبه الجهادي. ما جرى لفرج فودة ونجيب محفوظ في مصر مازال ساطعاً في الذاكرة. مصدر الخوف الحقيقي أن عدد الكتاب الذين كانوا يقاومون الجهاديين والمتزمتين ودعاة الظلام قليل جدا في فترة التسعينات. من السهل الاعتداء عليهم أو هكذا كان إحساسي. بعد فترة قصيرة دخل عدد كبير من الزملاء ميدان الحرب على التزمت فتبعثر الهدف. تؤذي من وتترك من؟ أوحت هذه الزيادة في عدد الكتّاب أن قطاعاً كبيراً من الشعب يؤيد الاتجاه الجديد وأن الدولة لا ترى فيهم تهديدا لسلامة البلاد أو سلامة فكره. أصبحت المعركة تتسم بشيء من العدالة وإن كانت منقوصة حتى الآن. الخطير في مسألة الاتهامات أن هذه التهم قد تصبح رصيداً لبعض الأجهزة التي تؤيد المتزمتين أو يسيطرون على مفاصلها لتفصيل تهم تحت ما يسمى بالاحتساب. أظن أنه حان الوقت لإبعاد أي جهاز حكومي ذي طابع ديني عن الصراع القائم بين المثقفين والمتزمتين وأن تضيق مسألة الاحتساب في المسائل الفكرية لتصبح من مهام المستويات القيادية العليا في البلاد.

&لا أحد يستطيع أن يمنع أحداً من كيل الاتهامات لخصمه. تنوع وسائل الإعلام وصياغة التهمة بطريقة حذرة تجعل عملية المنع أمراً مستحيلاً. لا يمكن إيقافها إلا بنقلها من كونها اتهامات تأخذ المتهم إلى المحاكم إلى نطاق حرية التعبير. لا يحاسب عليها أي من الطرفين. من حق الكاتب أن يقول رأيه ومن حق الطرف الثاني أن يفسر القول بآلياته الثقافية على ألا تصبح آلياته الثقافية مصدر تشريع لهذا الجهاز أو ذاك. بدلاً من الدفع نحو مصادرة الرأي وننشغل بالتفسيرات نوسع مجال الحرية. الكل يعرف أن الهدف منها في الأساس تكميم الأفواه كما كان يحدث في العصور الوسطى في أوروبا. لكي نوقف هذه الاتهامات علينا إغراقها في نقيضها (الحرية).