&سمير عطا الله&&&
حُرمت مصر الأمطار إلا نزرها. وأحيطت بالصحراء من الجانبين في جغرافيتها الأفريقية. لكن الله عوَّضها بدفق عظيم يسمى النيل، يحمل أمطار المواسم في نصف أفريقيا، فيعبر أرضها، ويطوف على ضفافه مرتين في العام، فيرطب التربة، ثم يترك للشمس أن تجففها، فيكون من ذلك خصب عظيم.
سيد الخصب، كان القمح. وبسبب ذلك، عبد المصريون القدامى النهر، أو «المجرى» الذي يجعل منه أطول خط مائي على وجه الأرض، وأنشدوا له الأناشيد. ومجموعتها عند الدكتور زاهي حواس. وأما أحدثها وأحبها إلى قلبي، فعامية شوقي «النيل نجاشي» و«حليوه أسمر». أما النشيد الفرعوني، فكان يقول «المجد لك أيها النيل، تقوم من تحت الأرض، وتأتي لتغذي مصر؛ تروي السهول، وبقوتك تُطعم جميع المواشي. تروي الصحراء العطشى بعيدًا عن أي نبع. تحمل الشعير وتخلق (تنبت) القمح. تملأ الصوامع والمخازن، ولا تنسى الفقراء. من أجلك نعزف على قيثاراتنا ونغني».
بأي مشاعر يمكن أن تقرأ عن أزمة القمح في مصر هذا العام، والعام الماضي، والعام الذي قبل كل عام؟ لمن يغني المصريون؟ الصوامع تفرغ أحيانا، ولا يمر يوم إلا وحادث قطار، أو حافلة. نحو ستة آلاف حادث في اليوم، في حين تسير قطارات العالم على الثانية. ثلاثون مليون هندي ينتقلون بالقطار كل يوم. أي أن الدقة التامة ليست سمة الدول المتقدمة فقط، بل أيضًا في الدول التي تسخر منها النكتة المصرية.
سمى اليونانيون عراق اليوم، بلاد الأنهار - وليس بلاد ما بين النهرين، كما ترجمناها للدقة الجغرافية. أبهرتهم غزارة المياه المتدفقة، فسموا النهرين بصيغة الجمع، بدل المثنى المحدود. ومرت أوقات في الماضي، كان في العراق أزمة عدس. ولم ترسل سوريا إلى روما الأباطرة فحسب، بل أرسلت إلى جميع الإمبراطورية غلال القمح، وكانت تسمى «صوامع روما»، ثم أصبحت تستورد الخبز من لبنان.
ماذا أريد القول؟ لا شيء. صرف اليمن مياهه الجوفية على زراعة القات. وخلال 33 عامًا من علي صالح، لم يطور مشروعًا واحدًا للري. وأنشأ معمر القذافي «النهر العظيم» تناسبًا مع الجماهيرية العظمى، ونكاية بالنيل. وإلى الآن، لا يعرف أحد أين ينبع وأين يصب. مرة أخرى، تعلموا الدقة في الترجمة: بلاد الأنهار.
&&
التعليقات