منار الشوربجي

التطورات المتلاحقة على الساحة الأميركية بخصوص القضية الفلسطينية تستحق التأمل من زاوية تداعياتها على المدى الأطول والأشمل لا على المدى المنظور والتفصيلي وحده.

ذلك لأن النظر للتطورات على المستوى القصير والتفصيلي قد يحولها إلى تراشق اعتدنا عليه بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو أو حتى مكايدة بين إدارة أوباما والرئيس المنتخب، رغم أن هناك جوانب أخرى للقصة لا ينبغي إغفالها.

فقد امتنعت إدارة أوباما عن التصويت على قرار مجلس الأمن الذي يدين الاستيطان الإسرائيلي فى الأرض الفلسطينية المحتلة. وقد أعقب ذلك خطاب لوزير الخارجية جون كيري شرح فيه بالتفصيل موقف الإدارة من ملف التسوية السياسية.

وبسبب الاثنين، تلاحقت الإدانات الداخلية لموقف إدارة أوباما من جانب عدد من أعضاء الكونجرس الديمقراطيين والجمهوريين، على السواء، وانتقادات قاسية من الرئيس المنتخب دونالد ترامب استتبعها بتصريحات على تويتر كانت أكثرها دلالة تلك التي طالب فيها إسرائيل بأن «تظل قوية» حتى يأتي العشرون من يناير الجاري، أي يوم تنصيبه رسمياً كرئيس للولايات المتحدة.

السؤال المهم هو لماذا قررت إدارة أوباما اتخاذ مثل تلك الخطوة وفي ذلك التوقيت تحديداً؟ والإجابة عندي هي ببساطة المصلحة الأميركية والانتهازية السياسية معاً.

مثلما يمثل دعم إسرائيل مصلحة أميركية حيوية فإن حل الدولة الواحدة يمثل تهديداً مباشراً لها. ومن هنا، كانت إدارة أوباما أكثر الإدارات على الإطلاق دعماً لإسرائيل عسكرياً وأمنياً .

وكانت هي أيضاً التي عارضت بشدة ما ينتج عن سياسة الاستيطان الإسرائيلية، أي حل الدولة الواحدة. وإدارة أوباما اتخذت ذلك القرار وهي تعلم أن إدارة ترامب قد تتخذ عكسه تماماً بعد أسابيع. بل لعل علمها بذلك هو ما دعم اتخاذ ذلك القرار من باب تسجيل الموقف ودق ناقوس الخطر.

لكن أوباما لم يتخذ قرار المواجهة مع إسرائيل طوال فترة حكمه رغم أن التوتر بينه وبينه نتنياهو كان معلوماً للكافة لأنه كان يدرك أن اتخاذه وما سيتبعه من إدانات واسعة من النخبة السياسية في واشنطن قد يعوق إنجاز سياسات داخلية لها أولوية لديه.

ولعل السبب أيضا أن أوباما، الأميركي من أصل أفريقي كان يعي على الأرجح طبيعة العلاقة المعقدة بين السود واليهود في بلاده ولم يشأ أن يتم تصوير خلافه مع إسرائيل حول الاستيطان على أنه محمل بتعقيدات تلك العلاقة في بلاده وتوتراتها.

لكن الواضح حتى من خطاب جون كيري أن الولايات المتحدة أنذرت إسرائيل صراحة المرة بعد الأخرى بشأن الاستيطان. ورغم أن نتنياهو يحب دوماً أن يتباهى بأنه «يفهم أميركا» جيداً، إلا أن ما يتضح المرة بعد الأخرى هو أن صلفه جعله يعتقد أنه ليس بإمكان الرئيس، وقد اقتربت نهاية ولايته، أن يفعل شيئاً.

فإدارة أوباما اتخذت قرارها قبل أسابيع معدودة من نهاية مدة أوباما. وهو الوقت الذي يطلق فيه على ذلك الرئيس اسم «البطة العرجاء». فكل الأنظار في تلك الفترة تكون متجهة نحو الرئيس الذي انتخب لتوه بينما تنحسر الأضواء تدريجياً عن الرئيس المنتهية ولايته حتى تتلاشى تماماً في العشرين من يناير. لكن الرئيس الموشك على الرحيل يظل هو الحاكم الفعلي للولايات المتحدة حتى الثانية عشرة من ظهر العشرين من يناير وبالتالي صاحب صلاحية اتخاذ كل القرارات.

لكن الجدير بالتأمل أمران، أولهما ما جاء على لسان وزير الخارجية الأميركي في خطابه حين ألمح بأن حكومة نتنياهو استهانت بالولايات المتحدة ومصالحها.

فهو بعد أن ذكر الجميع بأن وظيفته «فوق كل شيء هي الدفاع عن الولايات المتحدة الأميركية» ومصالحها قال إنه «يبدو أن البعض يعتقد أن صداقة الولايات المتحدة معناها أنه يتحتم عليها أن تقبل أية سياسة، بغض النظر عن مصالحنا». والولايات المتحدة ترى في حل الدولة الواحدة خطراً على مصالحها في المنطقة.

فالاستيطان الإسرائيلي يجعل من المستحيل من الناحية العملية قيام دولة فلسطينية. ونظراً للوضع الديموغرافي، سيصبح العرب أغلبية في الأرض الواقعة تحت سيطرة إسرائيل، الأمر الذي سيعني أن تكون إسرائيل دولة أبارتيد بشكل صريح لن تتحمل ممارساتها أغلبية دول العالم فيكون عليها إما القبول بحقوق متساوية للفلسطينيين واليهود أو الحل القبيح الذي يدعو له المتطرفون في إسرائيل أي طرد الفلسطينيين.

أما الأمر الثاني الجدير بالتأمل فهو أن حكومة نتنياهو تسيء التقدير لطبيعة التحول داخل أميركا نفسها بل حول العالم أيضاً. ففي الولايات المتحدة، ووفق آخر استطلاعات الرأي، أدت سياسات نتنياهو ومواقفه بالغة الصلف تجاه إدارة أوباما لتحويل إسرائيل من قضية إجماع عابر للحزبية إلى قضية يدعمها الجمهوريون بدرجة أكبر بكثير بالمقارنة بالديمقراطيين.

أما حول العالم، فرغم أن إسرائيل كالت الاتهامات لإدارة أوباما واعتبرتها قد تآمرت عليها في ما يخص قرار مجلس الأمن إلا أن الحقيقة هي أن موقف إدارة أوباما كان في جوهره اعترافاً بواقع دولي جديد، تعتبر فيه الدول الكبرى والصغرى معاً الاستيطان خرقاً للقانون الدولي.