سالمة الموشي

السينما اليوم على مستوى الإقبال عليها في منطقة الخليج تمر بمرحلة نشطة وحقيقية، ويرجع هذا إلى التطور الكبير في التقنيات الحديثة، وإلى تعطش الناس للخروج من منطقة الحظر السينمائي والحصول على ترفيه راق ومختلف. باستثناء ما يحدث عندنا من جدل واسع حول السينما كإحدى وسائل الثقافة والترفيه؛ فإن الثقافة السينمائية غائبة ولا تجد الدعم المتوقع ولا تجد الاستثمار الرسمي أو القطاع الخاص، ويرجع ذلك إلى ربطها بمعطيات رفض غير مبررة لم تتحرر الأنظمة الرسمية من قيدها. وتنطلق على هيئة مطالبات رفض أفراد محدودين لا يمثلون السواد الأعظم تحت شعار "لا للسينما"، وكأنما السينما ستنال من حياته وخصوصيته، وهي مجرد فن من الفنون التي تألفها النفس والعقل، وهي كما دونها جيوفاني باتستا في كتابه "السحر العظيم"، بكونها بدأت بفضول بشري حين رؤية انعكاس ضوء الشمس من ثقب صغير على جدار. عملياً هذه هي فكرة السينما. ولم تسجل السينما عبر التاريخ أية خطورة على البشر، إلا أن حجبها ومنعها يعدان تغييبا لثقافة كاملة، وقد غابت وحجبت لدينا بحيث لا تدرس ولا تدعم، بل إنها ربطت بطرف قدم الجهلاء والعوام ليقرروا مصيرها، وبهذا غُيبت بقوة. 
في فترة ما حين كانت الحياة تتجه للنمو الطبيعي غير الموجه ظهرت السينما في السعودية، ولعل ما وثقه خالد ربيع السيد وهو مؤلف أول كتاب سعودي عن السينما (الفانوس السحري) يجعلنا نتوقف كثيراً لنتساءل: ما الذي حدث؟ من اختطف السينما؟ أو بالأصح لماذا سمحنا لهم باختطافها كل هذا الزمن. 
يوثق كتاب "الفانوس السحري" لمرحلة ظهور السينما والأفلام السينمائية في السبعينات، عندما ظهرت في جدة والطائف، وقد عاصرها بنفسه، وأن من أهم دور السينما "البدائية" التي كان يرتادها خالد ربيع في جدة والتي كانت شهيرة في ذلك الوقت هي سينما "باب شريف" الواقعة في إحدى أقدم مناطق جدة، وسينما "أبوصفية" في حي الهنداوية. وفي الطائف كان يوجد العديد من دور السينما التي لم تختلف عن مثيلاتها في جدة بكونها عبارة عن فناء واسع لأحد المنازل أو أرض فضاء يتم وضع بعض الكراسي وشاشة للعرض السينمائي فيها. ومن ضمن الدور التي كانت موجودة في الطائف في فترة السبعينات هي سينما نادي "عكاظ" الرياضي وسينما "الششة".
ويذكر في "الفانوس السحري" أنه كان لديهم في الطائف دار سينما حقيقية ومتكاملة تابعة للنادي العسكري في المدينة، وكانت تعرض فيها الأفلام على جهاز عرض 8 مليمتر بعكس الدور "الأخرى" البدائية. ولكن لم يكتب لهذه الدار أن تعيش طويلاً فقد تم حرقها بعد أن أمتعت أبناء المدينة لمدة 4 سنوات، ولا يعلم أحد إلى اليوم ما السبب الحقيقي وراء حرقها.
ويوثق الكتاب أيضا أن السفارات الأجنبية في المملكة كانت أول من فتح أبوابها لمحبي السينما من السعوديين، وأنه كان من مرتادي السفارة النيجيرية والسفارة الإيطالية لمشاهدة الأفلام السينمائية التي يقومون بعرضها.
الحقيقة أن المجتمع السعودي كان في ذلك الوقت فعلياً لا يرى ضرراً من وجود دور عرض الأفلام السينمائية. اليوم ندرك أن السينما عنصر مهم في ثقافة الإنسان والذاكرة والتاريخ، وأنه من المهم تسهيل السبل لظهور هذا المشروع الحضاري والفني.