صفوق الشمري
النظام الإيراني لكي يعيش يجب أن يكون عدائيا للخليج، وحتى لو لم يجد عدوا فسيخلق عدوا خارجيا للفت أنظار مناصريه المتشددين، وإلا فإنه سينهار من الداخل
قبل بضع سنوات كنا في جلسة حوار أكاديمية مع بعض أساتذة العلوم السياسية نناقش السياسة الإيرانية والسعودية في المنطقة، ولا يخفى على الجميع الاهتمام الذي يوليه العالم لهذا الموضوع، خصوصا من خارج المنطقة، نظرا لأهمية منطقة الخليج للاقتصاد العالمي بصفتها البنك المركزي للطاقة لبقية أرجاء المعمورة، أكثر سؤال طرح ما مستقبل العلاقات الخليجية الإيرانية، خصوصا السعودية الإيرانية؟ لأنها الباروميتر الذي تقاس عليه بقية المنطقة، كان البعض يؤيد الرأي القائل إن العلاقات ستتحسن، خصوصا بعد المباحثات والاتفاق الأميركي الإيراني بخصوص الملف النووي، وكانت هناك إشاعات في تلك الفترة بأن هناك اتصالات سرية لوساطة بين الطرفين، وكان هناك رأي إذا أميركا اتفقت مع إيران فلما لا تكون أيضا المملكة، فاجأت الحضور بالقول إن العلاقات السعودية الإيرانية ستتدهور وبأسرع مما تتوقعون لعدة أسباب، منها شهية النظام الإيراني ستتوسع لتصدير الثورة، وظنه أن حيد العامل الأميركي، بعد فترة قصيرة حدث ما حدث، وتدهورت العلاقات السعودية الإيرانية لأسوأ حالاتها، وقطعت العلاقات بين الدولتين للأسباب المعروفة، وأسباب توقعنا هو تتبع طبيعة وعقيدة وهيكلية النظام الإيراني كانت كلها توحي بذلك، ولم ننخدع بالوجه الإيراني المحسن لروحاني وفريقه الذي يحمل تحته نظاما شرسا توسعيا، ومناسبة الحديث عن هذا الموضوع الآن هو ما قاله وزير خارجية إيران الظريف عن التعاون والتفاهم مع المملكة!
ولكي نفهم طبيعة الصراع الإيراني السعودي يجب أن ننظر لعدة محاور وعوامل:
أولا، كانت سياسة المنطقة تعتمد على التنافس بين إيران كدولة توسعية (تصدير الثورة)، والسعودية كدولة تعتمد سياسة (إبقاء الوضع الراهن)، وقد تطرق الوزير الجبير لهذه النقطة أكثر من مرة، فما زالت عقلية الثورة مسيطرة أكثر من عقلية الدولة على إيران، لكن هناك تغييرا سعوديا ملحوظا، وهو اعتماد سياسة أكثر حزما واستقلالية أو ما يسمى في علم السياسة الانتقال من نيورلزم دفاعي إلى نيورلزم هجومي.
ثانيا، بعد الانسحاب الأميركي من المنطقة (لسببين رئيسيين هما المحور الآسيوي والنفط الصخري)، فإن عامل الردع الموسع تلاشى لذلك ستكون المواجهة السعودية الإيرانية مباشرة، فإذا جمعنا قوة الدولة (التي تشمل القوة العسكرية والاقتصادية والبشرية) لأميركا والسعودية معا فإنها تعادل حسب موديل شانغ الثاني لقوة الدول أكثر من 17 مرة من قوة إيران، مما أعطى سابقا ردعا قويا، لكن تغير الميزان في حالة الانسحاب الأميركي.
ثالثا، بالرغم من أن قوة السعودية كدولة هي تعادل أكثر من 1.7 من قوة إيران بناء على معادلات قوة الدول، إلا أن إيران قد تخاطر بالمواجهة من باب أن لها المرونة لتحمل الخسائر أكثر من الخليجيين، كلنا يعلم سياسة الموجات البشرية في حرب العراق - وإيران والتي نتج عنها أن خسرت إيران مليون قتيل، بينما العراق ربع العدد أو أقل من ثلث العدد ومع ذلك إيران تجاهر بالنصر، وبالرغم من صعوبة استخدام الموجات البشرية مع الخليجيين بسبب البحر، لكن إيران تركز على جنوب العراق لهذا الغرض.
رابعا، بعد الحرارة الأميركية الإيرانية مؤخرا، إيران تتطلع لإيجاد عدو لتضعه بالمقدمة، كما نعلم أن أكثر المناصرين للنظام الإيراني هم المتشددون في الداخل، وهم من ساعد النظام في قمع الثورة الخضراء، وهذا النوع من المناصرين يحتاج دائما لعدو أيديولوجي، وهنا النظام يحاول وضع السعودية لتناسب الصورة لتصبح العدو الأول.
خامسا، إيران تعشق الحرب غير التقليدية وحروب البروكسي، وهي واحدة من أهم العقائد في السياسة الإيرانية، فوصول الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج سيؤدي حتما لانتقال بعضها لتغذية صراعات الشرق الأوسط.
سادسا، بعد الضعف الأميركي وبروز عالم متعدد الأقطاب (الصين وروسيا) فإن العالم سيكون أقل استقرارا بناء على نظرية كينيث ولتز الشهيرة، فستزداد حدة الصراعات، من العوامل والمحاور أعلاه فإن الصراع السعودي الإيراني غير قابل للمصالحات لأن ذلك سيؤدي لسقوط النظام الإيراني، فماذا سيبيع النظام للشعب، خصوصا مناصريه في حال انكفائه على الداخل الإيراني الذي يعاني من جميع التشوهات الاقتصادية والاجتماعية، فبعد قمع الثورة الخضراء قرر النظام الإيراني القيام بعملية إلهاء طويلة الأجل لمناصريه المتشددين وللداخل الإيراني، من خلال التدخلات الخارجية، وسيستمر على هذا المنوال.
السؤال الثاني: كيفية تغيير السياسة الإيرانية في المنطقة؟ الجواب لن تتغير السياسة الإيرانية إلا في حالتين، الأولى تغيير عقيدة النظام الإيراني، ويبدو صعبا! لأن العقيدة التوسعية لإيران (تصدير الثورة) هي إحدى أهم وصايا الخميني، ولا أحد يستطيع تغييرها حتى المرشد. أما الحالة الأخرى فإذا أحست إيران بمشاكل داخلية، لأن الداخل الإيراني بطبيعته ضعيف، كأن تلعب دول الخليج على الوتر الاثني في إيران، فإيران حساسة جدا للوضع الداخلي، وأتت للمفاوضات النووية فقط عندما أحست بالضغط الداخلي من خلال العقوبات الاقتصادية، ولا يبدو الخليجيون متحمسين للعب الورقة الاثنية لأسباب غير معروفة!
مختصر القول إن النظام الإيراني لكي يعيش يجب أن يكون عدائيا للخليج، وحتى لو لم يجد عدواً فسيخلق عدواً خارجيا للفت أنظار مناصريه المتشددين، وإلا فإنه سينهار من الداخل بسبب فشل السياسات الداخلية أو إغضاب المناصرين.
التعليقات