عبدالرحمن الطريري

في لقاء أجريته مع عمرو موسى الأمين العام الأسبق للجامعة العربية بين العامين 2001 و2011، أوضح أن هذه الفترة شهدت أحداثا كثيرة في المنطقة العربية، لعل من أبرزها غزو العراق في العام 2003، وما أعقبها من تغيير لشكل عراق البعث، وتحركات أزلام طهران في العراق وأبرزهم نوري المالكي، سعيا لطمس عروبة العراق.

وأحد ملامح هذا الطمس هو العبث بالدستور العراقي الجديد، والذي أصرت الجامعة العربية على أن يذكر أن «العراق دولة عربية مؤسسة للجامعة العربية»، مما يؤكد عروبة العراق وأنه وطن عربي يتسع لكل الأثنيات الأخرى فيه من أكراد وغيره، وكانت الصيغة التي أرادت إيران

مواضيع أخرى

حين تتحدث الوزارة باسم الجامعات

تمريرها أن «الشعب العربي في العراق جزء من الأمة العربية».

اليوم مع الحديث عن مسودة دستور جديد لسورية، تقدمت بها روسيا إلى الفرقاء السوريين في مؤتمر أستانة، تجدد الحديث عن محاولة إبعاد سورية عن عمقها العربي عبر تعديلات الدستور الجديدة، وبالطبع لابد أن يكون هذا مقترحا إيرانيا لا روسيا، لأن روسيا يهمها أن يحكم سورية نظام علماني، أما إيران فيهمها أن تنسلخ الدول العربية التي تدخل في شؤونها عن عروبتها.

الدستور السوري الأخير والذي أقر في العام 2012، تنص مادته الأولى على أن «الجمهورية العربية السورية دولة ديمقراطية ذات سيادة تامة، غير قابلة للتجزئة، ولا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها، وهي جزء من الوطن العربي» بل يضيف في المادة نفسها عبارة «الشعب في سورية جزء من الأمة العربية».

أما المسودة الروسية فخلت من جميع العبارات التي تشير إلى عروبة سورية، وعلى سبيل المثال استبدلت النص السابق الخاص بالمادة الأولى بالنص التالي: «تكون الجمهورية السورية دولة مستقلة ذات سيادة وديموقراطية تعتمد على أولوية القانون ومساواة الجميع أمام القانون والتضامن الاجتماعي واحترام الحقوق والحريات ومساواة الحقوق والحريات لكافة المواطنين دون أي فرق وامتياز».

هذا السعي لطمس عروبة سورية وتمريرها عبر دستور يأتي وسط زحام الرصاص وركام المباني، وبين زحام المؤتمرات من آستانة إلى جنيف، يبين كيف أن إيران تخشى من النفس العروبي، لأنه يتسامى على الطائفية التي تنفث في نارها، تعلم أن من شيعة العراق من يقفون بكل وطنية ضد مشاريعها، ومن علويي سورية أيضا من يريدون العيش بسلام بجوار السنة والمسيحيين والأكراد والدروز، بعيدا عن ميليشيات حزب الله وبعيدا حتى عن بشار الذي يعتبرونه استخدم أبناءهم حطبا ليستمر في الكرسي.

الدستور عمل هام ومؤسس لمستقبل أي وطن ولا يمكن الاستهانة به، ويجب أن يكون للدول العربية والجامعة العربية موقف حازم من الدستور السوري، ربما لا يعتبر البعض المواقف السياسية أداة ضغط كافية، إلا أنها تحقق الكثير من الضغط، ويجب أن نتعلم من دروس الماضي ومن ما حدث في العراق، ليس فقط على مستوى الدستور فقط، بل على مستوى ضرورة الحفاظ على المؤسسات الوطنية وعلى مستوى رفض دمج أي ميليشيات طائفية أجنبية لتكون قوة أمنية محلية.

لهذا ما يثير غضب إيران وجود لحظة عربية مثل عاصفة الحزم، تمثل تحالفا عربيا هو الأول من نوعه، وتعلم أن هدفه الأول الحفاظ على عروبة اليمن، هذا هو العنوان الرئيسي الموجع لإيران، أن يتمسك العرب بأوطانهم وبعمقهم العربي، وعند الوصول لحد فاصل مثل عروبة الدول العربية، فيجب أن يكون القتال السياسي عن الدساتير العربية، بنفس الحزم الذي تذهب فيه دماء الأبطال دفاعا عن الأرض.