عبدالله خليفة الشايجي

كانت الولايات المتحدة، حتى قبل انتخاب الرئيس ترامب، مجتمعاً منقسماً على نفسه سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. وزاد فوزه بالرئاسة هذا الانقسام، حيث خسر التصويت الشعبي بنحو 3 ملايين صوت لمصلحة منافسته هيلاري كلينتون، التي فازت بنسبة 48%من أصوات الناخبين، بينما فاز هو بنحو 46%، وهو ما كرّس حالة انقسام واضح للمجتمع الأميركي!

وقد فاز ترامب بتسويق شعارات عامة تخلو من التفاصيل ومن خريطة طريق لكيفية ترجمة شعاره «جعل أميركا عظيمة مجدداً»! وعند تنصيبه كان هو أقل الرؤساء الأميركيين شعبية، وخاصة بالمقارنة مع الرئيسين السابقين أوباما وبوش الابن. كما دخل أيضاً، مع مساعديه الإعلاميين والسياسيين، في صراع مع الإعلام الأميركي، الذي وصفه بالمخادع والكاذب! والمثير للدهشة هو إصرار ترامب على مخالفة كل الأرقام والإحصائيات الرسمية بشأن الحشود التي شاركت في حفل تنصيبه، حيث يقول إنها كانت أكبر من حفل تنصيب أي رئيس أميركي سابق! بينما الواقع أن الحشود التي شاركت في حفليْ تنصيب أوباما في فترتي رئاسته، كانت أكبر من الحشود التي شاركت في حفل تنصيب ترامب!

ويبقى ترامب بعد أسبوع من بدء رئاسته شاغل الرأي العام في أميركا والعالم، حيث يجد كثيرون أنفسهم في موقف صعب محاولين تفكيك هذا اللغز المعقد الذي يخالف النمط التقليدي للرؤساء والإدارات الأميركية المتعاقبة، وخاصة في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتحديداً بعد نهاية الحرب الباردة خلال أكثر من ربع قرن.

وخلال أسبوع أصدر ترامب نحو 15 قراراً تنفيذياً ضمن صلاحياته كرئيس غيّرت الكثير من الثوابت والمعطيات. بل هي أقرب إلى أعاصير تضرب الداخل الأميركي، بقدر ما تضرب أيضاً الخارج الذي يقف مصدوماً من الواقع الجديد، إلى درجة أن الرئيس الفرنسي أولاند والمستشارة الألمانية ميركل عبرا عن القلق من إدارة ترامب التي تشكل تحدياً لأوروبا، بسبب مواقفه من الاتحاد الأوروبي، ودعمه انسحاب بريطانيا من الاتحاد، وتوقعه انسحاب المزيد من الدول الأخرى. وكذلك وصفه حلف شمال الأطلسي «الناتو» بالحلف الذي عفا عليه الزمن! هذا فضلاً عن تقارب ترامب وبوتين. وكذلك إقراره بأنه يؤيد التعذيب لانتزاع اعترافات من الإرهابيين. وبالتأكيد يُحدث كل ذلك حالة من الذعر لدى الحلفاء الأوروبيين وغيرهم!

وإذن فحلفاء أميركا يشعرون بقلق من إدارة ترامب، سواءً في الاتحاد الأوروبي، أو حلف «الناتو»، أو في آسيا، والشرق الأوسط. وباستثناء روسيا وإسرائيل، فإن حلفاء أميركا يشعرون بالكثير من عدم الارتياح والقلق، بسبب عاملي عدم الثقة وعدم الفهم وأيضاً عدم الإلمام بمواقف وسياسات إدارة ترامب، وصعوبة التنبؤ بمواقفه الشخصية.

وبالتأكيد فقد أُصيب الكثير من القادة حول العالم بالذعر والقلق من التهجم القوي من طرف ترامب على المكسيك ورئيسها على خلفية موضوع بناء الجدار، والتهديد بفرض 20% ضريبة على استيراد البضائع من المكسيك لتمويل بناء هذا الجدار! وكذلك فرض ضرائب على السيارات المستوردة منها بنحو 30% ما قد يتعارض مع اتفاقية «نافتا» للتجارة الحرة لأميركا الشمالية بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. وقد أعلن ترامب أصلاً عزمه على إعادة النظر في هذه الاتفاقية التي أُقرت قبل ربع قرن في عهد الرئيس كلينتون! ووصفها بالاتفاقية السيئة! بسبب الموقف الانعزالي والحمائي والمعادي للعولمة واتفاقيات التجارة الحرة. وفي هذا المعنى أيضاً جاء انسحاب أميركا من اتفاقية التجارة عبر المحيط الهادي!

وبنظرة سريعة فثمة الكثير من الثوابت التي ينسفها إعصار ترامب على نحو يثير الكثير من النقاش والقلق في أميركا وحول العالم! ومن الثوابت التي من المحتمل أن ينسفها تفكيك إنجازات كل من الرئيسين كلينتون وأوباما:

1- إلغاء أو تعديل اتفاقيات «نافتا»، و«التجارة عبر الهادي»، واتفاق إيران النووي.

2- تشجيع تفكك الاتحاد الأوروبي، وتوقع انسحاب أعضاء آخرين بعد التصويت على انسحاب بريطانيا!

3- انتقاد «الناتو» وهو أكبر حلف عسكري عرفه التاريخ، ووصفه بالبالي، وبأنه قد عفا عليه الزمن!

4- التعهد بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، والتشجيع على بناء وتوسيع المستوطنات، في نسف كامل لأي فرص للسلام، وتبديد لسراب حل الدولتين. واستعداء الفلسطينيين والدول العربية.

5- عدم الالتزام بسياسة «الصين الواحدة» التي بقيت نهج الإدارات الأميركية من الحزبيين «الديمقراطي» و«الجمهوري» منذ السبعينيات، بعدم الاعتراف أو الانفتاح على تايوان.

6- توقع حرب تجارية بين أميركا والصين كورقة ضغط لتحجيم الصين اقتصادياً وعسكرياً، ما قد يدفع النظام الاقتصادي العالمي ثمنه بكساد اقتصادي واسع.

7- وأضاف ترامب إلى ذلك كله أوامر تنفيذية بتجميد دخول اللاجئين للولايات المتحدة لمئة وعشرين يوماً. ونفذ أيضاً ما توعد به كمرشح بحظر منح تأشيرات لمواطني سبع دول ذات أغلبية مسلمة، في عقاب جماعي لـ«منع دخول الإرهابيين»، وست من هذه الدول عربية: العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال، بالإضافة إلى إيران!

ونتوقع صدور المزيد من المواقف والإجراءات والأوامر التنفيذية التي سيتخذها ترامب وإدارته، وبعضها سيخالف، دون شك، الثوابت الأميركية الراسخة في السياسة والمواقف الداخلية والخارجية التي ستطفو على السطح خلال سنوات ترامب الأربع في البيت الأبيض.