حسن حنفي

 في كثير من المجتمعات وخاصة النامية منها عندما تتعرض لتغيرات سياسية واجتماعية، أو تمر بأزمات أو هزات اقتصادية، تظهر فئة من الفاسدين تستغل ظروف مجتمعاتها بأقصى درجة لتحقيق مكاسب خيالية قد لا يمكن لها تحقيقها في أوقات الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

وفي مصر نجد النموذج الأمثل لهذه الظاهرة، فعلى مدار السنوات السبع الأخيرة شهدت البلاد العديد من الأحداث الجسام من ثورات وأزمات اجتماعية وسياسية واقتصادية اهتزت لها أركان الدولة ومؤسساتها، ونتجت عنها آثار مباشرة على المجتمع المصري بكل أطيافه. وكلما كبر حجم هذه الآثار السلبية كان الثمن غالياً وباهظاً لإصلاح ما أفسدته بعض هذه الأحداث، سواء بالمال أو الجهد أو الصبر أو التضحية بالنفس في سبيل عودة الهدوء والاستقرار للمجتمع.

فمنذ عام تقريباً، في شهر نوفمبر من العام الماضي، صدرت حزمة قرارات اقتصادية ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تتبعه الدولة المصرية. ولعل أهمها قرار تعويم العملة المحلية، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار العملات الأجنبية بشكل كبير نتيجة محدودية المعروض منها في البنوك. فنشطت فئة الفاسدين أو المضاربين تلك من خلال ما يعرف بالسوق السوداء للحصول على أكبر مكاسب ممكنة من فرق تغيير العملة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وجد كثير من الفاسدين ضالتهم في هذا القرار كحجة لابتزاز المجتمع، فارتفعت أسعار بعض السلع والمعروضات في الأسواق بشكل غير مسبوق وغير منطقي بالمرة. وما على المستهلك إلا أن يقوم بسداد فاتورة هذا الإصلاح وتدبر أمره والتشبث بالصبر والمثابرة انتظاراً للحظة انتهاء الأزمة.

وقد يتقبل البعض زيادة الأسعار في الأسواق بنسبة قد تصل إلى 100% وهي النسبة التي انخفضت به قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وخاصة الدولار الأميركي. ولكن من غير المعقول أو المقبول أن تصل نسبة زيادة الأسعار عما كانت عليه قبل التعويم إلى 400% كما حدث في مجال البناء والإسكان على سبيل المثال، حتى أن امتلاك وحدة سكنية أصبح الآن حلماً بعيد المنال بالنسبة لبعض محدودي الدخل، كما لم يتصور أو يتوقع أي عقل أيضاً هذا التفاوت الكبير في الأسعار الذي قد يمس الغذاء اليومي للمستهلكين البسطاء، ولكن هذا هو المعروض وهذه هي آليات السوق كما يقول الاقتصاديون، أو كما يقول المتحججون بعبارة «الدولار غلي يا بيه»!

وقد أصبح البسطاء وذوو الدخل المتوسط يتعرضون لموجة محسوسة من الغلاء غير المبرر لبعض السلع المحلية المنتجة من خير الأرض المصرية وثرواتها مثل الخضراوات والفواكه، واللحوم الحمراء بأنواعها والدواجن والأسماك، والبقوليات مثل العدس والفول، ومنتجات الألبان، وبعض احتياجات الأطفال. وكل هذا في ظل ثبات الدخل الشهري لعامة أفراد الشعب، فأصبحت جيوب بعض المستهلكين مستنزفة، يذهب كل ما فيها لخزائن بعض التجار الفاسدين والمنتهزين لهذه الفرص الذهبية لزيادة أرصدتهم في البنوك.

ومهما قست الظروف وضاقت الأحوال، يتدبر المستهلك البسيط أموره الحياتية من خلال التنازل عن كثير من احتياجاته غير الضرورية، وقد يصل الحال إلى بيع بعض ممتلكاته أو مقتنياته الشخصية، أو طلب العون من الآخرين، أو البحث عن عمل إضافي لزيادة دخله.

وبطبيعة الحال قد تظهر فئة أخرى جديدة تنضم إلى فئة الفاسدين بحجة كثرة الضغوط وعدم توافر سبل العيش الكريم لهم، وعدم استطاعتهم مواصلة الحياة في ظل الظروف الصعبة التي يتعرضون لها، وهروباً من شبح الفقر، فيستبيحون كل شيء للوصول إلى أهدافهم وتحقيق مصالحهم الشخصية دون النظر لما يلحقونه من أضرار ببقية أفراد المجتمع الشرفاء الذين يمرون بنفس الظروف ودون أن يتزعزع إيمانهم وعزيمتهم، أو يتنازلوا عن قيمهم أو الاقتداء بهؤلاء الفاسدين الجدد!

والسؤال: كيف يعود هؤلاء الفاسدون إلى رشدهم، أو نقتلع هذا الخطر من جذوره؟ هل يكفي تجديد الخطاب الديني، وتشديد أدوات الرقابة والملاحقة لهم، وسن القوانين والتشريعات الرادعة، والاهتمام بالتربية قبل التعليم، وزيادة الوعي الثقافي في المجتمع؟ أم أنهم «شر لا بد منه» في كل‏‭ ‬زمان‭ ‬ومكان؟