سالم حميد

 من الآن وصاعداً لا بد من نظرة أكثر شمولية لطبيعة التحالفات أو التواطؤات المستمرة لدعم الحوثيين الانقلابيين في اليمن، الذين يشكلون ذراع إيران وأداتها المجانية المكلفة بزعزعة أمن اليمن والخليج، والذين يواصلون مهمتهم العبثية تلك بأسلوب انتحاري يثبت أن القرار ليس بأيديهم، وأنهم غير معنيين بمراعاة التداعيات الناجمة عن الانقلاب بما فيها معاناة السكان المدنيين الذين يتمترسون بهم. فبعد الاستهداف العبثي الفاشل للرياض بصاروخ باليستي معلوم المصدر، لن تستمر النظرة التقليدية إلى الحوثيين بوصفهم مجرد جماعة طائفية متمردة، بل إنهم أصبحوا بتماديهم وتطويع إيران لهم وتحكمها بتحركاتهم من أخطر أدوات تهديد السلام والاستقرار في المنطقة. كما أن الاستهداف الفاشل للرياض من قبل الحوثيين يكشف أيضاً عن خيانات وانتقامات ودسائس تظهر فيها بجلاء أصابع الحقد القطري الأعمى. لأن قطر أصبحت تساهم إعلامياً ومالياً في إطالة أمد حرب اليمن وإمدادها بوقود لا نهائي يتمثل في تقديم نصائح تحريضية للانقلابيين، إلى جانب وعود قطرية لنفخ الحوثيين ودفعهم لإطالة أمد تمردهم على الشرعية اليمنية والقرارات الدولية.

تتشابك الخيوط الهادفة بمجملها إلى استنزاف البيت الخليجي. ويبقى الدور القطري هو الأخطر في تحريك ملف التمرد الحوثي ودفعه نحو الخيارات العسكرية العبثية مقابل استبعاد لغة السياسة والتفاوض، لأن مصلحة قطر تكمن في الإبقاء على ورقة الحوثيين قيد الاستخدام بالتعاون مع طهران لإشغال دول الإقليم وتحويل الوضع في اليمن إلى نقطة ساخنة لأطول وقت ممكن.

علاقة قطر بذيول إيران في المنطقة العربية ليست جديدة ولم تبدأ فقط مع الحوثيين، فقد كانت الدوحة هي العاصمة الخليجية الوحيدة التي قدمت أموالاً طائلة لـ«حزب الله» وأسهمت في تقديم تعويضات وإعادة إعمار بعض المناطق التي تضررت من حرب 2006 بين «حزب الله» وإسرائيل، في محاولة بدت حينها كما لو أنها سعي مكشوف لكسب ود الدولة العبرية والتخفيف من الاحتقان بينها وبين العرب عبر دعم قطاع غزة وترميم ما خلفته الحرب في بعض قرى الجنوب اللبناني. وأثناء ذلك توطدت علاقة الدوحة بـ«حزب الله»، وتالياً أصبحت قطر وأدواتها الإعلامية تقف بنفاق صارخ مع الحوثيين بعد أشهر قليلة من قوف نفس الأدوات، إلى جانب تحالف دعم الشرعية في اليمن. ولم يتساءل البعض بشأن تناقضات قطر المكشوفة، وكيف انتقل خطابها الإعلامي فجأة لدعم الانقلابيين.

أما الأمر المؤكد فهو أن استهداف الرياض بالصاروخ الباليستي لم يكن إجراءً حوثياً منفرداً، بل تقف خلفه إيران ومن يتعاونون معها بمنهجية انتقامية لزعزعة أمن الخليج. ولا ننسى أن تنظيم الحمدين ركّز على استهداف كيان ودول مجلس التعاون الخليجي منذ البداية. وهناك أنظمة عربية غير قطر تصدر الحكم فيها أشباه مجانين وأدوا إلى تدمير بلدانهم كما هو حال العراق في عهد صدام وليبيا في عهد القذافي، وقطر تمضي في هذا الاتجاه على يد نظام الحمدين!

إن التواطؤ الذي أوصل الصواريخ الإيرانية إلى أيدي عصابة الحوثيين يضع المنطقة أمام تحدٍ جديد يستدعي توقع أسوأ الاحتمالات في ظل المواجهة مع قوى منفلتة لا تعرف شيئاً عن السياسة ولا تجيد سوى الانتحار. والمواجهة معها لن تتوقف عند مستوى دق نواقيس الخطر في الخليج، وتبقى الخيارات مفتوحة لحماية الأمن القومي من كل العابثين.