عبد الله الردادي 

خلال السنتين الماضيتين، أعلنت المملكة العربية السعودية كثيراً من الخطط والطموحات والمشاريع التي تمثل الرؤية 2030، وتركزت هذه الرؤية بشكل أساسي على تنويع مصادر الدخل الحكومي للمملكة، وعلى الأخص تقليل الاعتماد على النفط بصفته مصدراً رئيسياً للدخل الحكومي الحالي. وفي حين بدأت الحكومة السعودية بتشجيع القطاع الخاص على التوسع، سواء كان ذلك على صعيد الاستثمارات المحلية أو الاستثمارات الأجنبية، كان من الواضح أن أول عائق يقف في وجه هذا التوسع هو الفساد.


وبعد إعلان ولي العهد السعودي عن مشروع مدينة «نيوم»، ناقش كثير من الصحف العالمية معيقات تمويل المستثمرين غير السعوديين لهذا الاستثمار، وجاء في مقدمة هذه العوائق؛ البيروقراطية الحكومية، والمحاباة في الدوائر الحكومية، وضعف الشفافية في القوانين والتشريعات التجارية. وبدا واضحاً من خلال وجهات النظر المتعددة، أن ضعف مكافحة الفساد يشكل تحدياً أمام الحكومة السعودية لجذب رؤوس الأموال الأجنبية إليها. لذلك كانت الخطوة الفعلية الأولى للتحول الاقتصادي للمملكة تكمن في إعلان الحرب على الفساد، وليس ذلك بالقبض على عدد من المتهمين بقضايا فساد فحسب، بل بالإعلان على الملأ عن حملة حكومية لتطهير البلاد من الفساد.
ويشكل الفساد العدو الأول للتحول الاقتصادي بالمملكة، ذلك أن الفساد عدو لدود للاستثمار، ويعرف الفساد بأنه استغلال السلطة العامة لأهداف ومكاسب شخصية. وبحسب اختلاف الدراسات، فإن الفساد في الحكومات ينحصر تقريباً في ثلاثة أنواع، فهو إما فساداً عن طريق الرشوة، سواء كانت الرشوة مباشرة أو غير مباشرة، أو فساداً يتمثل في الاستيلاء على الممتلكات العامة، أو فساداً يكون على هيئة محاباة، أو بما يعرف بـ«الواسطة».


وللفساد بجميع أشكاله تأثيرات سلبية كبيرة على الاقتصاد ومعدل النمو. فوجود البيروقراطية من جهة، والمحاباة من جهة أخرى، يسبب كثيراً من التعطيل لإجراءات وتصاريح الاستثمارات، وفي كثير من الدول النامية فإن هذه البيروقراطية تكون المغذي الرئيسي للرشى وذلك لتسريع الإجراءات. وفي حال وجدت الرشى (وهي من أكبر مؤشرات قياس الفساد)، فإن تكلفة الاستثمار تزيد بشكل كبير، ما قد يضعف الجدوى الاقتصادية للاستثمار.
وأثبت كثير من الدراسات أن رؤوس الأموال قد تحجم عن الاستثمار في الدول ذات معدلات الفساد العالية. وعلى الرغم من أن الخطر مقبول في الاستثمارات بشكل عام، فإن الخطر الناتج عن الفساد لا يمكن التنبؤ بتأثيره، وقد يؤدي هذا الخطر لفشل الاستثمارات بشكل كلي. وبهذا التأثير السلبي للفساد على الاستثمارات، يؤثر الفساد بالتالي على النمو الاقتصادي، وتشير إحصائيات البنك الدولي إلى أن ضعف النمو الاقتصادي في كثير من دول أميركا الجنوبية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بانتشار الفساد.
وفي حين لا يشكّ ذو عقل أن في انتزاع جذور الفساد فائدة للاقتصاد الوطني، يشير كثير من الصحف الأوروبية إلى أن الحملة السعودية ضد الفساد مؤشر على حالة عدم استقرار في المملكة، وأن هذه الحالة قد لا تشجع المستثمرين في الدخول إلى السوق السعودية. والواقع أن المستثمرين ينقسمون إلى قسمين من حيث نظرتهم للفساد؛ فالقسم الأول يحرص على دخول أسواق ذات معدل فساد منخفض، وذلك لتقليل المخاطر الاستثمارية، وللتأكد من حماية القانون لمصالحه الاستثمارية، أما القسم الآخر فهو القسم المستفيد من تفشي الفساد، وهم المستثمرون المستفيدون من ضعف حقوق العمال في الدول النامية، وانتشار حالات الرشى بين مسؤوليها، ويتمكنون بفضل الفساد من الحصول على تسهيلات لا يستطيعون الحصول عليها في دولهم ذات القوانين الصارمة. والواضح أن المملكة تسعى بالتأكيد للقسم الأول من المستثمرين، أما القسم الآخر فلا حاجة لها بهم.
إن الرؤية السعودية تتمحور حول التحول الاقتصادي للمملكة، ووجود الفساد يشكل تهديداً حقيقياً لهذا التحول، ولذلك كانت أولى الخطوات الفعلية لهذه التحول هي محاربة الفساد. والمملكة بهذه الحملة ضد الفساد تذكرنا بما حدث في بداية تحولات كثير من الدول.