ياسر الغسلان

قبل اندلاع ما عرف بالربيع العربي بأسابيع معدودة وفي زمن كنت ما زلت أؤمن بوجود رابط يجمعنا نحن العرب، كتبت عن رؤيتي لجميع الدول العربية، إلا أنه ومع حلول الذكرى السابعة لتلك اللحظة المفصلية من تاريخ عالمنا العربي وجدت نفسي أعود لمراجعة عوامل تلك الرؤية، فمنها ما زال قائما ومنها ما أثبت الزمان أنه لم يكن سوى حلم رومانسي لعقلية كانت غارقة في وهم اسمه العروبة.
ولكي نتعلم من تجاربنا وخيالاتنا السياسية سأعود لأسطر لكم بعضا مما كنت أراه في حينه لا لشيء سوى لنفكر سويا ونعيد حساباتنا، فمع مرور الوقت تتبدل القناعات وتتغير الظروف، والمهم هنا ليس أن ننكر ما كنا نؤمن به ونهرب منه، بل أن نـحدق في قناعاتنا بعين الناقد الصريح مع النفس لا المنقاد لضجيج المحيط وتسييس المواقف.
قلت: إني أرى في جمهورية مصر العربية على أنها الدولة الوحيدة التي امتلكت الشجاعة في مواجهة العدو الصهيوني مطبّقة المثل القائل (علي وعلى أعدائي)، وفي الجمهورية العراقية أنها الدولة العربية الوحيدة التي استطاعت أن تواجه وإن بجنون غير محسوب الهيمنة الأميركية قولا وفعلا، أما الجمهورية العربية السورية فكنت أراها بأنها الدولة العربية الوحيدة التي أثبتت أن الدول تستطيع العيش والصمود رغم مقاطعة القوى العظمى لها.
بالنسبة للجمهورية اللبنانية فكنت أراها السوليدير البيروتي وبرامج السهرة التلفزيونية وسراب الديمقراطية العربية، أما المملكة الأردنية الهاشمية فرؤيتي لها كانت بأنها مملكة اكتشفت قبل الجميع معنى الاقتصاد المعرفي، حيث أنجبت لنا أساتذة ومهنيين هم الأفضل على المستوى العربي، أما فلسطين فهي الدولة التي لم تصبح دولة بعد ولكنها تتعامل وتتصرف وتتحرك وكأنها كيان سياسي مستقل وموجود على الأرض الواقع.
أما بلادي السعودية فهي الدولة العربية الوحيدة التي تحاول أن ترضي الجميع وتساعد الجميع وتتغاضى عن الإساءة، ورغم التحديات يبقى شعبها الطيب يتجنب المشاكل، أما الجمهورية الصومالية فكنت أراها من خلال شعبها الذي كان يؤمن بأن دولتهم ستعود يوما ما دولة مستقلة ذات سيادة ودور إقليمي ودولي، أما الجمهورية اليمنية فهي دولة وشعب استطاع البقاء ضمن كيان واحد رغم أنها خليط من قنابل موقوتة من قبلية مقيتة لا تعرف معنى الوطنية، وطائفية وعقائدية لا تعترف بالوحدة والاستقرار، أما ليبيا فهي دولة بصوت أعلى من قدراتها الحقيقية، فهي تخيف بصوتها العالي تهديدا ووعيدا، في حين أن حقيقتها لا تتجاوز قدرتها على المناورة والدعاء لله بأن لا ينكشف حالها الحقيقي.
بالنسبة للمملكة المغربية كنت أراها مملكة بثوب ديمقراطي، فيها أرستقراطية ممزوجة بواقعية ورقي فكري وإنتاجية عمالية، أما الجمهورية التونسية فهي دولة تعمل حكومتها وكأنها دولة أوروبية، بينما ما زال شعبها يتمسك بأصوله الإسلامية والعربية، أما الكويت فكنت أرى أن شعبها يعيش كابن الخليج ويفكر كابن بريطانيا ويتعامل تجاريا كابن أميركا، ويفاوض كأنه يملك كل شيء، وإن كان ربما في الحقيقة لا يملك ذلك الشيء، أما مملكة البحرين فهي الدولة الخليجية الوحيدة التي استطاعت أن تنتج لنا شعبا طبيعيا دون عقدة الفوقية الخليجية، أما قطر فهي دولة لا تعرف سوى نهج التحدي ومقارعة الكبار دون خوف ولا تردد في سبيل تحقيق أهدافها، أما الإمارات فهي الدولة التي أثبتت أن المستحيل يمكن تحقيقه، في حين كنت أرى عمان على أنها الدولة العربية الوحيدة التي استطاعت أن تعيش باستقلال تام عن محيطها، وفي ذات الوقت لا تخسر مقعدها ضمن العرب.