هاني الظاهري

في الثلث الأول من يناير عام 2002، وبعد نشره عدة مقالات في منتهى العدائية تجاه السعودية على خلفية أحداث الحادي عشر من سبتمبر، توجه الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان إلى سفارة المملكة في واشنطن ليختبر مدى قدرة السلطات السعودية على تحمل ما يطرح، طالباً بشكل مباغت تأشيرة تسمح له بالسفر إلى الرياض بصفتها عاصمة الدولة التي تورط 15 شخصا من مواطنيها في عملية تدمير برجي التجارة في نيويورك.

. كان توم (كما يسميه رفاقه) متأكداً من أن طلبه سيُرفض وبناء على ذلك بدأ في الاستعداد لكتابة مقالة عن ذلك، لكنه فوجئ بمنحه التأشيرة فوراً وقيل له إنه يستطيع السفر في نفس اليوم، مما سبب له صدمة جعلته يطلب أن يؤجل الأمر لشهر كامل حتى يتمكن من ترتيب أموره العالقة، وبالفعل توجه إلى الرياض في منتصف فبراير من العام ذاته حيث التقى بالملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - حين كان ولياً للعهد، ثم كتب مقالة تاريخية مثيرة كشف فيها لأول مرة عما دار بينهما، متضمنة فكرة الملك الراحل «مبادرة السلام»، التي أصبحت لاحقاً «المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل»، حينها ضج العالم بالخبر، ورفض فريدمان الرد عن أسئلة وكالات الأنباء قائلاً «اسألوا الرياض»، لكنه ما لبث أن عاد إلى مهاجمة السعودية بكل شراسة متهما إياها بترويج الفكر المتطرف في سلسلة مقالات استمرت حتى عام 2015، حين زار الرياض مرة أخرى ولكن كمحاضر عن العولمة هذه المرة، وقتها كان قد نشر للتو مقالة تؤيد الاتفاق النووي مع إيران وتتهم واشنطن بأنها مدمنة على النفط السعودي وهو أمر يجعلها برأيه تتعامى عن راديكالية السعوديين.

ما سبق نبذة مختصرة عن توماس فريدمان كان لا بد من الإشارة إليها قبل الحديث عن مقالته التي نشرها أخيرا في نيويورك تايمز، متطرقا فيها إلى تفاصيل مقابلته هذا العام مع سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي تتضمن سؤاله عما يحدث في فندق الريتز (السؤال الذي اخترته عنواناً لهذه المقالة)، لأقول إنني ولأول مرة منذ عام 2001 أقرأ للسيد فريدمان مقالة يراهن فيها بكل حواسه وبشغف غير مسبوق على السياسة السعودية.

دُهش فريدمان لأن ما شاهده وما سمعه من الأمير الملهم لم يكن يخطر ببال أكثر الناس تفاؤلا بمستقبل هذه الدولة قبل ثلاثة أعوام فقط، للدرجة التي جعلته يقول: «لم يخطر ببالي قط أنني سأعيش لأشهد اليوم الذي يتسنى لي فيه كتابة الجملة التالية: تشهد السعودية اليوم عملية الإصلاح الأكثر أهمية مقارنةً بأي بُقعةٍ من بقاع الشرق الأوسط».

السعوديون كانوا أكثر الناس رغبة في معرفة إجابة الأمير عما يحدث في الريتز، والتي كشفت عن أن الفساد يبتلع نحو عشرة في المئة من مجموع الإنفاق الحكومي السعودي سنوياً، وأن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وجه فريق عمله في مطلع العام 2015، بجمع كل المعلومات عن الفساد في أعلى الهرم. وعندما أصبحت كل البيانات جاهزة، تم توقيف المشتبه بهم من الأمراء وأصحاب الثروات وإطلاعهم على كل الملفات التي ما إن رأوها حتى وافق نحو 95 في المئة منهم على التوصل إلى تسوية، تتلخص في تسليم أموال نقدية أو حصص في شركاتهم إلى خزينة الدولة، فيما تمكّن نحو 1 في المئة من إثبات براءتهم وأُخلي سبيلهم، وبقي 4 في المئة أصروا أنهم غير فاسدين ويريدون المحاكمة لإثبات ذلك. (هذا باختصار ما حدث في الريتز)، لكن ما ينبغي أن يُشار إليه هنا أن العرب قالت قديما «الحق ما شهدت به الأعداء»، فيما يقول اليوم فريدمان (ألد أعداء السعودية في الصحافة الأمريكية طوال 15 عاما): «الأحمق فقط هو من لا يقف الآن في صف السعودية الجديدة».