جمال بنون

يتحدث الغرب بـ«فخر» عما يسمى بـ«الربيع العربي»، الذي اندلع في 2010، لأنهم أسهموا بشكل مباشر في اندلاع الفوضى، وتسببوا في إلحاق الضرر الاقتصادي، لأن هدف هذه الثورات ليس تنموياً ولا منح الحريات، إذ كان هدفها إسقاط الحكومات من مجموعة من الفوضويين. لا نريد أن نتحدث عن مأساة «الربيع العربي»؛ فنتائجه المخيبة لا تزال كثير من الدول تلعقه حتى الآن، كما أنها تعاني من اقتسام الكعكة التي اختطفت.

وصف صحيفة «نيويورك تايمز» على لسان كاتبها توماس فريدمان أن الأمير محمد بن سلمان يقود حركة «الربيع العربي»، بعد إنشاء لجنة مكافحة الفساد، التي بدأت بمحاسبة كبار المسؤولين، فإنه من حق الكاتب أن يعبر بما يراه ويؤمن به، لكن ما يفعله ولي العهد السعودي ليس استكمالاً للربيع العربي، بل هي ثورة تنموية، ومكافحة الفساد، ومنع هدر المال العام، والقبض على من ثبت عليه بالأدلة مخالفات مالية، ليس الصغار فقط، بل الكبار المقربين من صناعة القرار.

فالأمير السعودي الشاب، لم يكن يرضى أن تبقى بلاده على هذه الحال، تهدر أموالها بحجة تنفيذ مشاريع تنموية، بينما على أرض الواقع لا شيء من هذا يحدث. حينما قال: «طالما عانت دولتنا من الفساد منذ الثمانينات حتى يومنا هذا، وإن تقديرات الخبراء تقول إن ما يُقارب 10 في المئة من الإنفاق الحكومي قد تعرض للاختلاس في العام الماضي بواسطة الفساد، من قبل كلتا الطبقتين (العُليا والكادحة) وعلى مر السنين، كانت الحكومة قد شنت أكثر من حرب على الفساد، ولكنها فشلت جميعاًَ. لماذا؟ لأن جميع تلك الحملات بدأت من الطبقة الكادحة صعوداً إلى غيرها من الطبقات المرموقة»، وهنا يشير الأمير إلى أن الملك سلمان حينما اعتلى العرش أخذ عهداً على نفسه بوضع حدٍ لهذا.

العام الماضي أوقف مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية عقوداً تتجاوز قيمتها تريليون ريال، وهي بذلك أوقفت أكبر هدر للمال العام، لو أنها أخذت طريقها للموافقة، فالتقارير جميعها تشير إلى أن هذه المشاريع تعثرت ولم تكتمل، بل إن معظمها كانت وهمية، وخاصة مشاريع الصحة والتعليم والتدريب المهني ومشاريع الإسكان والطرق، وغيرها.

في معظم دول العالم النامية، مكافحة الفساد لدى الطبقة العليا تعتبر أهم الحروب للدولة، إذا صدقت النية، ولم تدخل فيها المصالح، أو الصراعات السياسية، تأتي بعدها مكافحة المخدرات وغسل الأموال، لأنها تحول اقتصاد تلك البلدان إلى «عصف مأكول».

تقدم الملك سلمان وولي عهده الخطوط الأمامية لمواجهة الفساد هو حافز كبير لإعادة اكتشاف القوة، التي تمتلكها البلد في جوانب عدة، وعدم ترك الوطن يذهب إلى المجهول، إذ إن إغفال أهمية التخطيط والسير بلا هدى كان سيجلب كارثة عظمى وكبيرة، لهذا جاءت فكرة رؤية السعودية 2030 لتنتشل البلاد من وضعه الذي كان يسير عليه من محسوبيات ورشاوى وسرقات باسم الوطن. تفشّي الفساد في جسد الوطن أشبه بسرطان كان يرى كثيرون أنه من الصعب أن يشفى أو يعود صحيحاً كما كان.

تمت محاصرة التنمية من الجوانب كافة، ولم يكتفِ الأمير محمد بن سلمان بنشر «الرؤية»، التي وضعها، بل أصر على أن يتابعها في كل خطواتها، ويهيئ لها سبل النجاح. ثورة ولي العهد السعودي وفريق عمله، الذي اختاره بعناية، بحثت في المعوقات، التي توقف تقدم هذه البلاد، وجعلها ضمن الصفوف الأولى عالمياً، فوجد أن الفساد في الطبقة العليا هو من أهم المعوقات، ومحاسبة الوزراء ورجال الأعمال، الذين ارتبطت مشاريعهم بالدولة، وغسل الأموال، إلى جانب بعض الجيوب الصغيرة للفاسدين والمنتفعين الموظفين في بعض مؤسسات الدولة، الذين حققوا ثراء فاحشاً وغير مشروع. يقول الأمير محمد بن سلمان في حديثة لـ«نيويورك تايمز»: «إن 95 في المئة من الذين تم استدعاؤهم للتحقيق بشأن مكافحة الفساد وافقوا على التسوية وإعادة الأموال»، مبيناً أن نحو واحد في المئة أثبتوا براءتهم وانتهت قضاياهم، كما أن أربعة في المئة منهم أنكروا تهم الفساد، وأبدوا رغبتهم في التوجه إلى القضاء، مشيراً إلى أن النائب العام يتوقع أن تبلغ قيمة المبالغ المستعادة عبر التسوية نحو 100 بليون دولار.

في ظني هناك مبالغ أخرى سيتم استحصالها قريباً من خلال تبعات القبض على اللصوص، وستستعيد مساحات شاسعة من الأراضي، التي تمت سرقتها. فقبل أسبوعين استعادت وزارة العدل أراضي سرقها تجار تتجاوز مساحتها منطقة المدينة المنورة.

رؤية السعودية 2030 فيها تنمية شاملة تتعلق بمصلحة ومكانة السعودية محلياً وعالمياً، وأيضاً تغيير بعض المفاهيم الخاطئة، التي ارتبط بها الناس، وهي مفهوم الإسلام المعتدل، حينما أشار في حديثه للصحافي الأميركي توماس فريدمان قائلاً: «إسلام معتدل ومتوازن، ينفتح بدوره للعالم وللديانات الأُخرى ولجميع التقاليد والشُعوب»، ويكمل: «لا نقول إننا نعمل على إعادة تفسير الإسلام، بل نحن نعمل على إعادة الإسلام إلى أصوله، وأن سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي أهم أدواتنا، فضلاً عن الحياة اليومية في السعودية قبل عام 1979». وذكر الأمير محمد بن سلمان أنه في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كان هناك الرجال والنساء يوجدون معاً، وكان هناك احترام للمسيحيين واليهود في الجزيرة العربية، وأضاف: «لقد كان قاضي التجارة في سوق المدينة المنورة امرأة»! وتساءل الأمير قائلاً: «إذا كان خليفة النبي عمر قد رحب بكل ذلك، فهل يقصدون أنه لم يكن مسلماً»؟

بقي شيء مهم، وهو موجه إلى الإعلام الغربي، الذي يتعامل مع أي خبر للسعودية ضمن الشبهات، ويهوله ويضخمه، بينما هو خبر عادي لو أنه حدث في بلدانهم، حينما ربطوا حملة القبض على بعض القيادات العليا من الأسرة الحاكمة بتهم الفساد، بأنها مرتبطة بصراع على السلطة، فكان رد الأمير قوياً وملجماً، حينما قال: «إنهُ لأمر مُضحك، أن تقول إن حملة مكافحة الفساد هذه كانت وسيلة لانتزاع السُلطة»، مشيراً إلى أن الأعضاء البارزين من الأشخاص المُحتجزين كانوا أعلنوا مُسبقاً بيعتهم ودعمهم للإصلاح، وأن الغالبية العُظمى من أفراد العائلة الحاكمة تقفُ في صفه.

من الطبيعي أن تواجه السعودية حملة مضادة لمشروعها التنموي والاقتصادي والسياسي، وخاصة من أعدائها، والأقلام المأجورة، لأنها قلبت الطاولة عليهم، ولم يكونوا يتوقعون أن يروا الوجه الآخر للسعودية، التي اعتادوا على استغلال الطيبة فيها، وسيبذلون جهوداً مضنية لثنيها، أو إعاقتها، إلا أن هذا لن يحدث، وفي كل مرة سيخسرون الرهان، لأن الشعب السعودي يقف مسانداً لكل خطوات الإصلاح، التي يقودها الملك سلمان، وولي عهده الأمين.