نصر محمد عارف
على الرغم من مأساوية الحوادث الارهابية وبشاعتها وقسوتها على النفس وفظاعة مشاهدها، وعلى الرغم من أن كل واحد منا معرض أن يكون ضحيتها، فإننا نركز دائما على أضعف الحلقات فى منظومة الارهاب، وهى حلقة الأداة غير العاقلة التى تنفذ العمل الارهابي،
تلك الأداة البشرية التى لا تفرق فى شيء عما تحمله من جمادات قاتلة، سواء أكانت بنادق أم مدافع أم قنابلة، لقد أظهرت المقابلة الاحترافية التى أجراها الأستاذ عماد الدين أديب مع إرهابى الواحات أن هؤلاء البشر قد تنازلوا عن عقولهم وضمائرهم بمجرد انضمامهم لجماعة تتخذ من الدين ذريعة لتنفيذ عمليات إجرامية لا تقبلها حتى الحيوانات فى عالمها، حيث يتحول جميع الأعضاء فى تلك الجماعات إلى وحوش مفترسة انحرفت فطرتها فصارت تقتل لمجرد القتل، ويصبحون كالإنسان الآلى فى يد القائد أو الأمير، وهو نفس المنهج الذى نشأت عليه جماعة الإخوان وسربته لكل من ولد من رحمها أو اقتدى بها أو نشأ على هامشها من الجماعات الإرهابية المتوحشة. الحقيقة أن من ينفذون العمليات الارهابية لا قيمة لهم، فهم أضعف حلقات منظومة الإهاب، لأنهم المنتج النهائى لهذه المنظومة، أو لخط إنتاج الإرهاب؛ إذا نظرنا إلى الإرهاب على أنه صناعة من صناعات الحداثة فى مظاهرها الدينية فى صورة جماعات خارجة عن المجتمع وعن فلسفة العيش المشترك، أما الحلقات الأهم والأخطر التى لا يتم التعامل معها بجدية وينظر إليها على أنها عوامل مساعدة فهم ثلاث: المحرضون وهم أكابر المجرمين، ثم أصحاب التمويل والدعم المادى وهم من يحولون الكلام إلى أفعال، والدعوة إلى الإجرام إلى جريمة متكاملة الأركان، وأخيراً الفاسدون الذين يسهلون للمحرض والممول تنفيذ أهدافهم، فيزيلون العوائق من أمام الآلات البشرية المنفذة.
وللأسف لم تعط المحاكم العربية، ولا أجهزة إنفاذ القانون الاهتمام المستحق والعقاب الذى يحقق العدالة للمحرضين أو الممولين أو الفاسدين، ويتم عادة محاكمة، والانتقام من الآلات البشرية غير العاقلة التى تقوم بالتنفيذ، وهى آلات مبرمجة على الموت، معدومة الضمير، بلا قلب ولا عقل، ومن ثم لا يؤثر فيها السجن أو القتل. أولا: المحرضون على الإرهاب، وهم أكابر المجرمين، يعيشون عادة فى مأمن بعيداً عن مناطق تنفيذ العمليات الإرهابية، يستمتعون بالحياة بصورة مترفة، فهم دنيويون حتى النخاع، لديهم القدرة والسحر الخاص على توجيه الأتباع بالريموت كونترول، أو بالتحكم من بعد، غالباً ما يكونون ممن ينتسبون إلى العلم الديني، ويحتلون فيه مواقع تخلق لهم شرعية عند الأتباع، وتجعل كلمتهم مسموعة عند الآلات البشرية، وفى زماننا هذا يعيش هؤلاء تحت حماية دولة قطر وتركيا، وتوفر لهما هاتان الدولتان الحياة والحماية والوسائل اللازمة للتحريض، وملء عقول الشباب بالأفكار الإجرامية، والمبررات التى تحولهم إلى قتلة محترفين. إن المسؤول الأول عن الإرهاب الذى يحدث فى مصر هم المحرضون الموجودون فى تركيا وقطر، وحكومة تركيا وحكومة قطر، فهما اليد التى تطلق زناد البندقية، هم القتلة الحقيقيون، بدون مجاملة أو حسابات دبلوماسية بعيدة عن الحقيقة والأخلاق والقيم. ثانيا: الممولون الذين يوفرون كل الإمكانات المادية، هم فى حقيقتهم الطلقة النارية التى تقتل، والقنبلة التى تنفجر، والرشاش الذى يزهق الأرواح، هؤلاء الممولون كثيرون، منهم فى تركيا وقطر، ومنهم فى دول عربية أخرى، ومنهم داخل مصر، ومن أبنائها، وهم جميعا يوفرون الوسائل التى تحقق أهداف القتل والتدمير وإزهاق الأرواح وترويع الآمنين، وهؤلاء لا يلتفت إليهم أحد على الرغم من أنهم هم أداة القتل والإرهاب، ولكن لم نشهد أيا منهم أمام محكمة أو ممن تعاملت معهم أجهزة إنفاذ القانون. ثالثاً: الفاسدون الذين يحتضنون الآلات البشرية المنفذة للأعمال الإرهابية قبل تنفيذ عملياتهم، وبعدها، ويوفرون لهم الحماية، والرعاية والإيواء، ويسهلون مهمتهم وييسرون تحركاتهم، وينقلون لهم المعدات والأموال والطعام والشراب والآلات، وهؤلاء لا يعنيهم الفعل ولا الفاعل ولا المفعول، فقط يعنيهم ما يحصلون عليه من أموال فى مقابل جهودهم، وخدماتهم، هؤلاء بلا ضمير، ولا عقل ولا قلب ولا قيم ولا أخلاق، ولكنهم منا ونحن منهم، يعيشون بيننا، ولا نعرفهم أو نلتفت إليهم، قد يكونون فى مواقع معينة، أو أصحاب مواقع اجتماعية مهمة، ولكنهم هم الطرف الأساسى الذى يكمل منظومة الإرهاب، وبدونه لا تتحقق. ورابعا: الآلات البشرية المنفذة، وهؤلاء لا قيمة لهم لأنه تم تحويلهم من بشر لهم ضمير وعقل وقلب إلى آلات من حديد تنفذ ما يتم توجيهها إليه بدون تفكير، ولو أن حكوماتنا قتلت الملايين منهم، وسجنت الملايين منهم؛ فهناك مليار ونصف المليار ويزدادون كل ثانية سيجد المحرضون منهم من يستجيب لدعوتهم، ويسلم عقله لهم فيقوم الممولون بإعداده، ويقوم الفاسدون بتوصيله إلى غايته، لذلك تعتبر هذه الآلات البشرية المنفذة للأعمال الإرهابية عديمة القيمة فى منظومة الإرهاب أو خط إنتاج الإرهاب. وهنا يكون التحدى الحقيقى للقضاء على الإرهاب هو البدء بأكابر المجرمين وهؤلاء هم المحرضون ومن يحميهم ويدعمهم، ثم الممولون الذين سخروا نعمة الله ورزقه فى التدمير وليس التعمير، وأخيراً القضاء على الفاسدين فى كل المواقع والمستويات، هنا سوف تصاب الآلات البشرية بالصدأ، وتصبح خردة بشرية لا قيمة لها.
التعليقات