ياسر الغسلان

يعّرف موقع ويكيبيديا «المؤامرة» على أنها (محاولة لشرح السبب النهائي لحدث أو سلسلة من الأحداث «السياسية والاجتماعية أو أحداث تاريخية» على أنها أسرار، وغالبا ما يحال الأمر إلى عصبة حكومية متأمرة)، في حين يعّرف ذات الموقع «النظرية» على أنها (طائفة من الآراء التي تحاول تفسير الوقائع العلمية أو الظنية أو البحث في المشكلات القائمة على العلاقة بين الشخص والموضوع أو السبب والمسبب)، كما يعّرف «الاحتمال» بأنه (هو أحد الخيارات المتاحة أمام تجربة أو حادثة غير محسومة النتيجة).
وضعت هذه التعريفات في البداية كمحاولة لتفكيك مصطلح «نظرية المؤامرة» الذي شاع استخدامه على نطاق واسع هذه الأيام، فتحليل العديد من الأحداث والمواقف والقرارات بشكل مغاير للتفسير الرسمي الذي يروج له الإعلام بشكل مقدس جعل النظر لاحتمالية وجود سبب آخر يقف خلف الحدث أو الموقف غير ذلك الذي يروج له من نظريات المؤامرة التي تطلق كنوع من الهجوم المغرض على تلك الحكومة أو تلك الجهة التي قد ترتبط أو قد 
لا ترتبط بشكل واضح مع الحدث.
شاعت بعد أحداث سبتمبر الشهيرة الكثير من النظرات التي كانت تقول إن ما حدث في نيويورك وواشنطن ليس 
إلا مؤامرة أميركية يهودية ماسونية لحكم العالم، فحملت تلك الجهات مسؤولية التخطيط وتنفيذ تلك الأعمال الإرهابية عبر سلسلة من الإثباتات التي بعضها يروق لمن يسعى للهجوم على كل ما هو رسمي وحكومي، ممن يعرفون بمعاديي المؤسسة، وذلك من أجل أن يحكموا العالم عبر إعادة رسم سياسته العالمية بتغيير وجه الجغرافية والسياسة والأمن الداخلي لتحقيق الهيمنة المطلقة على الاقتصاد والسياسة وحكم البشر.
قد نتفق أو نختلف مع تلك التبريرات، فربما بعض الحجج التي تساق لإثبات تلك الرؤية فيها ما يقنع العقل، وذلك لاستنادها للغة المنطق التحليلي، ومنها ما هو بعيد كونه يعتمد على تفسيرات غارقة في الخيال والتي يصعب على المنطق قبولها، وإن كانت تثير بعض التساؤلات.
ما يهمني هنا هو النظر لمصطلح نظرية المؤامرة من منطلق مختلف، فليس كل تشكيك بالضرورة يعد نظرية، فكثير منه وبفعل الإثباتات الملموسة وليست الظنية هو أقرب للاحتمال، فالخيارات التي تطرح عبر التحليل العلمي الذي يصعب على العقل دحضه يحولها من مجرد نظرية تعتمد على الرأي لتفسير قابل لأن يكون حقيقة، وبالتالي تحوله من مجرد فكرة إلى واقع محتمل.
في كتاب نقد الخطاب الديني لنصر حامد أبو زيد لخص من وجهة نظره أن من أكبر عيوب ذلك الخطاب هو إرجاع كل الإخفاقات والتخلف الذي أصاب العالم الإسلامي إلى تبريرات ميتافيزيقية ملخصها أن البعد عن الدين القويم هو السبب الأساسي لواقع المسلمين، مرجعا استخدام هذا التبرير لضعف الخطاب الديني في البحث في الأسباب الحقيقية والأحداث المفصلية (العلمية والاجتماعية والسياسية والطائفية) التي مر بها العالم الإسلامي والمسلمون عبر تاريخهم، والتي أدت لهذا الحال الذي يصفه بالتخلف، فإرجاع الأسباب إلى أمور خارج حدود التفسير العلمي والمنهجي من السهل تمريرها دون تمحيص، خصوصا إذا كانت باسم الدين.
في حال نقد الأحداث الراهنة فإن العالم اتجه أكثر فأكثر للنظر للأمور من ذات المنطلق الذي تحدث عنه أبوزيد، فركز على التسليم بالتفسيرات المعلبة التي يطلقها من يتحكم بلغة الإعلام والسياسة بفعل سيطرته على مواطن القوى الشعبية، فتحول تفسيره المقدم على أنها التفسير الوحيد والصحيح وأن كل التفسيرات التي قد تعتمد على التحليل المنطقي أو العقلي التي تستند لإثباتات ملموسة أو عملية ما هي إلا مجرد نظرية مؤامرة لا يمكن للعاقل القبول بها.
الاستمرار بقبول التفسيرات المعلبة باعتبارها مسلمات يعد من أهم معطلات التفكير الإنساني، والركون لرأي الأغلبية من أكبر تحديات خلق الابتكار والبحث عن الجديد خارج الصندوق، لذلك من المهم أن ننظر لأي تفسير مطروح مهما بدا خارجا عن المألوف باعتباره قد يحمل احتمالية في ثناياه، فنسبر تبريراته ونختبر معطياته ونحكم العقل والمنطق قبل تحديد قناعاتنا، فبذلك سنكتشف أن ليس كل ما يقال حقيقة، وليس كل مجنون مجنونا حقا.