ناجي صادق شراب

في الثاني من ديسمبر عام 1971، أعلن أحمد خليفة السويدي أول وزير خارجية لدولة الإمارات، قيام اتحاد دولة الإمارات بين إماراتها السبع الواقعة على ساحل الخليج العربي، بعد احتلال وحكم بريطاني دام لعقود طويلة. وجاء هذا الاتحاد بعد إعلان قرار بريطانيا عام 1968 عزمها الانسحاب من المنطقة.

وهنا تبرز حكمة وعظمة القيادة التي تمثلت بالمغفور لهما الشيخ زايد وأخيه الشيخ راشد وبقية حكام الإمارات بأنه لا بديل إلا الاتحاد والتوحد، والبحث عن إطار يجمع هذه الإمارات تحت إطار مؤسساتي أو كيان جديد لم تتعوده، ولم يكن وقتها مصطلح الفيدرالية شائعاً، بل الفكرة الشائعة الوحدة بمفهومها الشمولي. وكان القرار بعدم التسرع، والتروي والتدرج في عملية الاتحاد. وذلك يستلزم رؤية بعيدة المدى للجمع بين الرغبة في الاستقلال والرغبة في الاتحاد. فجاءت مؤسسات الاتحاد لتحقق هذه الرغبة متمثلة في المجلس الأعلى الذي يتكون من حكام الإمارات السبع الذين يختارون رئيساً للدولة. هذه الرغبة في الجمع بين الاستقلال والاتحاد كانت من أهم أسباب قيام الدولة واستمرارها. والخاصية الرئيسية التي أدت لقيام الدولة تمثلت بالدور الريادي الذي قامت به إمارة أبوظبي والشيخ زايد «طيب الله ثراه» في تهيئة الظروف لقيام الاتحاد، حيث ذهبت رؤية الشيخ زايد لوضع الإمارة وثروتها في خدمة الاتحاد. 
الاتحاد ليس إطاراً دستورياً فحسب، وليس بناء عادياً، بل هو رؤية تنموية، وعملية بناء شاملة. فالإمارات الأخرى لم تكن غنية، بسبب الاحتلال وفقر الموارد. والاتحاد من منظور القيادة هو بناء شامل يلمسه المواطن العادي، وتشعر به الإمارة، فكانت الحاجة للتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية المختلفة وإنشاء شبكة الطرق التي تربط الإمارات أحد شروط نجاح الاتحاد. ولم يتوقف الدور عند هذه الحدود، بل لعب البعد الإنساني لدى الشيخ زايد «رحمه الله» دوراً مهماً في ترسيخ كيان الاتحاد، إذ كان يعتبر الإمارات الست مثل أبوظبي تماماً، وكلها تكمل بعضها بعضاً. 
لقد أدرك الشيخ زايد «طيّب الله ثراه» أهمية الإنسان في عملية البناء، فكان الاستثمار السريع في الإنسان، وإدراكاً منه لأهمية هذا العامل، فتحت الإمارات أبوابها للعرب وغيرهم من أبناء الدول الإسلامية للمساهمة في عملية البناء في مراحلها الأولى، وأتبعت سياسة التوازن والحكمة والاحتضان وعدم التمييز، مادام المعيار هو العمل والإخلاص من أجل إعداد المواطن القادر على العمل والعطاء.
إن أي تجربة اتحادية تحتاج إلى دور قيادي فاعل ومحوري، وقد توفر ذلك في الشيخ زايد وأخيه الشيخ راشد «طيب الله ثراهما»، وخصوصية الحالة فرضت هذه الثنائية الإيجابية، وهي ظاهرة ما زالت قائمة حتى الآن، ومتجسدة في العلاقات الأخوية والثقة المتبادلة بين صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وبقية حكام الإمارات. هذا التفاعل في القيادة يكمله اليوم تفاعل على مستوى المواطن، من خلال تلاحمه مع قيادته ذاته، وتوسيع المشاركة في عملية البناء، مما يخلق ما يمكن تسميته بالمواطنة الاتحادية.
لقد جاء قيام دولة الإمارات في أحلك الظروف وأصعبها، ومع ذلك صمدت وترسَّخت وأصبحت مثالاً يحتذى في ديار العرب والعالم، وتحوَّلت إلى منارة ينظر إليها العالم بالتقدير والإعجاب، وأصبحت نموذجاً للدولة العصرية النموذجية التي يتآلف فيها أصناف البشر من شتى أرجاء المعمورة، في جو من الأخوة والتسامح والمحبة، عدا أنها أصبحت محجة لرجال الأعمال وطالبي الهدوء والسكينة والراحة، حيث يتوفر الأمن والأمان، وكل مظاهر السعادة والحياة الرغيدة.
ويبقى هناك جانب مهم في قراءة هذه التجربة الاتحادية الفريدة في عالمنا العربي، وهي عملية مواكبة التطور والبناء ومواكبة الثورة الصناعية الرابعة، والتعامل مع المستقبل وكأنه حاضر، فالعالم يتغير من حولها، وموازين القوة في حالة تغير كامل، وعدم الاستجابة ومواكبة هذه التغيرات قد يعرض الدولة لتهديدات وتحديات كثيرة. فالمنطقة منطقة استهداف من قِبَل الدول الطامعة وهي كثيرة، فكان التعامل مع مفهوم القوة الشاملة، الصلبة والناعمة والذكية، لتضمن لها الدور والمكانة في عالم تحكمه القوة. 
دولة الإمارات تقدم اليوم نموذجاً في الحكم الرشيد، وفي نموذج بناء القوة، وهذا بفضل الرؤية التنموية الشاملة لقيادتها، والتفاعل الإيجابي بين القيادة والمواطن، وبالمشاركة الواسعة لكل المواطنين، لأن الحكم له بعد إنساني ومسؤولية ومحاسبة. دولة تعيش ماضيها بحاضرها وحاضرها بمستقبلها. لهذه الأسباب وغيرها نجحت دولة الإمارات.