خالد أحمد الطراح
ارتبط التطرف الفكري والسلوكي منذ ما يزيد على 15 عاما بالأعمال الارهابية التي استهدفت الابرياء من مسلمين واديان اخرى ايضا من قبل التنظيمات الارهابية، كالقاعدة وداعش وتنظيمات حزبية اخرى وبعض الانظمة أيضا، إلا ان ارتباط التطرف الفكري والسلوكي بعضهما ببعض لا يعني وجود اختلاف بينهما، فالنهاية لكل منهما تهديد امن وسلامة الدول وشعوبها واستباحة دم البشر وانتشار برك الدماء وإثارة الذعر في العالم بشكل عام.
في الادبيات التاريخية التي تخص الكويت تحديدا، ولعل من ابرزها «الثقافة في الكويت» للأديب الاخ العزيز الدكتور خليفة الوقيان، تم التركيز على تعريف التطرف بالغلو، وهو تعريف وتفسير دقيق وادق من كلمة تطرف، ليس من زاوية اللغة العربية، بل من ناحية فكرية ودينية، حيث اورد الاخ الدكتور الوقيان العديد من الامثلة على حالات الغلو التي عرفتها الكويت منذ قرون.
التطرف EXTREMISIM اصبح ليس التمسك برأي محدد، خصوصا من نواح دينية وتحديدا اسلامية بحتة، وإنما تعدى ذلك ليشمل الاقصاء للآراء والمواقف الاخرى، حتى بلغ الامر اوجه في لجوء البعض الى العنف لإلغاء الرأي الآخر، سواء من خلال الاحتجاج واستغلال نوافذ اعلامية وسياسية بصورة علنية ضد بعض الطوائف المسلمة او معتنقي ديانات اخرى، والتصعيد حتى بلوغ التعبير بالسلاح والقتل تحت عباءة الدين، الى ان اصبح الارهاب هدفا مشروعا بأعين جماعات وحشية يسيطر عليها الغلو في الموقف والرأي والتصرف.
ما يعنينا في التطرف، وهي الكلمة الدارجة في قاموس مركز الوسطية الكويتي، ان هناك بعض التصريحات المثيرة للانتباه والجدل لبعض المسؤولين في وزارة الاوقاف عن حالات التطرف، وتحديد «ان التطرف العنيف غير موجود في البلاد»، على حد تعبير مدير مركز الوسطية عبدالله الشريكة في تصريح صحافي لـ القبس في 2017/10/11.
هنا لابد من التوقف عند كلمة «عنيف»، وهو تشبيه لحالات التطرف، مما يعني ان هناك تطرفا غير عنيف او لينا او غير حاد، وبتقديري ان مثل هذا التصنيف لا يخدم عملية التصدي للإرهاب ومن يعيش في هذا المحيط الوحشي، فليس امامنا اليوم في الكويت والعالم ككل ما يمكن وصفه بالتطرف الخطر او غير الخطر، فالتطرف كما برهنت عليه الاحداث منذ سنوات قاد الى نتائج عنيفة ودموية هي في الاساس نتيجة غلو بغض النظر عن مصدر التضليل والترهيب، حيث تظل النتائج في نهاية المطاف مآسي ومعاناة بشرية!
حقيقة مثل هذا التصنيف للتطرف تضعنا وكأننا امام حالات غض الطرف عن جوهر الاهداف من التطرف الذي شهده ويشهده الى اليوم الكون البشري، وهو تصنيف لدرجات التطرف مما يمكن ان يدخلنا في متاهات التعريف للتطرف والإرهاب ايضا!
تصنيف التطرف بالعنيف وغير عنيف وتحديد درجات التطرف والمتطرفين، ربما يخدم من هم اساسا من الجماعات الارهابية والحاضنة لهم، وهو ما تناولته اخيرا صحيفة عكاظ السعودية عن مواطن كويتي تم تصنيفه «رسميا من جهات دولية بأنه ارهابي» بينما يستغل موقعا إلكترونيا نشطا في سبيل «جمع الاموال لتمويل» تنظيمات ارهابية، وهو ما تناوله ونشر تفاصيله مشروع مكافحة التطرف CEP!
أتمنى ان اكون مخطئا بأنه ليس هناك تنازل والتفاف لمفهوم التطرف الى درجة بلوغ تصنيف درجات التطرف، وهو ما يعني ان مركز الوسطية الكويتي على وشك ان يعود الى ما كان عليه منذ انشائه وهيمنة أحدهم الذي كان على قائمة الارهاب عالميا باستثناء الكويت، وهو ليس سرا فقد نشر في الكويت وخارجها تفاصيل بذخ الوسطية وهذا الشخص، وهو ما اكدته وزارة الاوقاف الكويتية منذ سنوات قليلة!
ان التحصين من التطرف ليس بتصنيف درجاته، وهي سياسة غير جادة في التصدي للإرهاب وتجفيف منابعه!
ينبغي ان تكون الحلقات النقاشية ومضامينها وكل تفاصيل الاجراءات التي تتبناها وزارة الاوقاف، وكذلك اعضاء فريق برامج المناصحة بالنشر حتى تسود الشفافية ونصبح كأفراد مجتمع واحد شركاء جميعا ضد الغلو، فملف الارهاب ليس قضية دينية او امنية فحسب، وإنما هو قضية مجتمع ودولة.
آمل ان تكون الرسالة واضحة للقائمين على التصدي للغلو والإرهاب، او ترك ادارة هذا الملف الحساس لإدارة محايدة قادرة على اشراك المجتمع بكل مؤسساته وأفراده!
التعليقات