هيا عبد العزيز المنيع

بعد إعلان الرئيس الأميركي القدس عاصمة لإسرائيل، بدأت الكثير من منصات الإعلام العربي وبعض كتاب الرأي رمي السعودية برصاص الاتهام....

كمواطنة سعودية من حقي أن أرفض كل تلك الاتهامات فالإعلان جاء من واشنطن وليس الرياض...، والتاريخ بكل شواهده وبراهينه يؤكد أن الرياض أكبر داعم للقضية الفلسطينية، بل ودون مزايدة تتفوق على كثير من أهل القضية أنفسهم....

أيضاً كسعودية من حقي أن أفتخر أن الإعلام المعادي وإن كان عربي اللغة إلا أنه يقر بأهمية وقوة المملكة العربية السعودية فمكون عقلهم الباطن يحرضهم دون إدراك منهم للإقرار بحقيقة ذلك....، ولكن من حقي أيضاً كمواطنة سعودية أن أتساءل عن صمت هذا الإعلام عن العلاقة الدافئة بين الدوحة وإسرائيل والعلاقة الساخنة في ظاهرها والعميقة في داخلها بين إسطنبول وإسرائيل...، تلك العلاقات التي تمخضت عن تبادل تجاري ومعارض ثقافية وفنية لخدمة مصالحهم المشتركة ...، والتي أثمرت عن فتح مكتب للتبادل التجاري مع إسرائيل في الدوحة واستقبال قادتها في عمق الدوحة بما فيها إحياؤها القديمة....، وإسطنبول التي تعاملت مع الكيان الإسرائيلي وفق معايير الأصدقاء والمصالح المشتركة وعلى كافة الأصعدة وفي مختلف المجالات....

أجزم أنه لا يوجد مواطن عربي ومسلم لم يشعر بالألم لإعلان القدس عاصة لإسرائيل، ولكن في الوقت نفسه أي عقلاني وموضوعي يعلم أن الإعلان ليس سوى تأكيد واقع قائم، فالقدس تحت الاحتلال والسيطرة الإسرائيلية، وإعلانها عاصمة لإسرائيل له بعده الرمزي للكيان الإسرائيلي ...، بمعنى أنه إقرار واقع لا نريده ولكن للأسف الجيوش العربية ضاعت خطاها بين احتلال الجار أو ضرب شعبها واكتفت بالتنديد والشجب لإسرائيل وأميركا واتهام الرياض بهتاناً وظلماً...

الغريب أن تلك الأصوات التي تُحمل الرياض مسؤولية إعلان ترمب لقرار إعلان القدس عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة الأميركية لها لم تندد ولو بكلمة عندما أطلق الحوثيون صاروخهم على مكة المكرمة، بل صمتوا وكأن على رؤوسهم الطير، وبعضهم تباهى به باعتباره دلالة قوة للحوثيين، أي أخذه ببعده العسكري وتجاهل البعد الديني تماماً.....؟؟ الكيل بمكيالين ديدن هذا الإعلام وإلا لفتح ملفات التعاون بين إسرائيل وبعض الدول العربية خاصة في بعدها الاقتصادي، مثلاً الدوحة تصدر الغاز لإسرائيل...، إسطنبول علاقاتها التجارية متنوعة حيث بلغت أكثر من خمسة مليارات دولار بين تصدير واستيراد متنوع في العام الواحد غير الحضور الدبلوماسي العالي وهي ذات أبعاد إستراتيجية وليست طارئة ولا تتأثر ببعض الاختلافات المفتعلة....

شخصياً لا أعيب على تلك الدول إقامة علاقات مع إسرائيل أو غيرها، مادامت تخدم مصالحهم، ولكن أرفض أسلوب المزايدة وقرع الطبول لإثارة الضجيج واللعب على عواطف الشعوب فيما هم يعلمون يقينا أن الرياض قامت بما لم يقم به أي عربي لخدمة القضية الفلسطينية، بل غلبت المصلحة الفلسطينية على كثير من مصالحها في مواقف عديدة....

المزايدة على مواقف الرياض ليست وليدة اليوم ولكن الجديد أنهم باتوا يواجهون موقفاً سياسياً مختلفاً ووعياً مجتمعياً سعودياً وإعلاماً سعودياً يضعهم في أحجامهم التي تتضاءل يوماً بعد يوم...