عبدالله بن بجاد العتيبي

 أعلنت المملكة العربية السعودية ميزانية تريليونية تاريخية وغير مسبوقة في تاريخها، مع تأكيد استمرار مسيرة البناء والتنمية والتطوير، وقدرة على تحقيق ما يشبه المستحيل في التحول عن الاعتماد على النفط مصدراً وحيداً، وبما يتوافق مع «رؤية السعودية 2030» التي أطلقها ورعاها ويطبقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

واحتفلت البلاد بالذكرى الثالثة لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وعهده الميمون، وقد تعرف العالم في هذه السنوات الثلاث إلى السعودية الجديدة، سعودية الحزم والعزم في الداخل والخارج، وراقب العالم كيف تبوأت السعودية مكانها الطبيعي والمؤثر بصفتها دولة إقليمية كبرى ودولة بالغة التأثير على المستوى الدولي في جميع المجالات.
بعد ثلاث سنواتٍ فقط أصبح ما كان حلماً أشبه بالمستحيل واقعاً ملموساً، ومضت كل الطموحات والوعود في مساراتها بشكلٍ طبيعيٍ، في المجالات كافة، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً ومجتمعياً، وغيرها، وقد أخذت التغييرات والإصلاحات تسابق الزمن، وتستأنف الحياة وتعزز القوة وتنشر البناء، وترسخ الرفاه، بوصف ذلك إحدى وظائف الدولة الرئيسية.
أصبحت السعودية تقود التحالفات السياسية والعسكرية كما يليق بدولة كبرى، التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، الذي أصبح اليمن بدعمه أقرب ما يكون إلى الخلاص من ميليشيا الحوثي وأتباع إيران، وتحالف الدول المسلمة لمحاربة الإرهاب، الذي عقد مؤتمره الأول في الرياض برئاسة ولي العهد السعودي قبل فترة وأصبح حقيقة واقعية.
وقد حاولت ميليشيا الحوثي التشويش على احتفالات السعودية بميزانيتها التاريخية عبر إطلاقها صاروخاً باليستياً إيراني الصنع على جنوب الرياض العاصمة، وهو كسوابقه من الصواريخ الباليستية التي فاقت الثمانين الموجهة من اليمن إلى السعودية لم يحدث أي أثرٍ يذكر، بل تم إسقاطه من قبل قوات الدفاع الجوي السعودي قبل أن يصل لهدفه.
هذه الصواريخ الباليستية تستهدف مواقع مدنية، وقد أكدت نيكي هيلي ممثلة الولايات المتحدة الأميركية لدى الأمم المتحدة أن صواريخ الحوثي صواريخ إيرانية الصنع، وليست من بقايا أسلحة اليمن القديمة كما تزعم إيران، ومسؤولية إدانة هذه الصواريخ الإيرانية ليست على السعودية فحسب بل هي مسؤولية المجتمع الدولي، وإطلاقها على المواقع المدنية فيه انتهاك صارخٌ للقانون الدولي، كما أكد المتحدث باسم التحالف العربي العقيد تركي المالكي في مؤتمره الصحافي الأسبوع الماضي.
القضية الدولية التي تبنى ضد إيران محكمة وقوية، وهي تحتاج إلى وقتٍ كافٍ حتى تنضج وتصبح فاعلة، وهي في كل الأحوال تتجه لإدانة شاملة لكل أنشطة إيران المعادية من الصواريخ الباليستية إلى رعاية ودعم الطائفية والإرهاب، لا على المستوى الإقليمي فحسب، بل على المستوى الدولي بأسره.
أما القضية الدولية ضد ميليشيا الحوثي فقد بنيت قبل انطلاق عاصفة الحزم، ولولا الموقف المتخاذل، من بعض الدول الأوروبية والمؤسسات الدولية لكان الأمر قد حسم من قبل، وهي معركة يجب أن يحسمها اليمنيون بوحدتهم وجيشهم الوطني ومقاومتهم الشعبية وبدعم كاملٍ من تحالف دعم الشرعية، بأي ثمنٍ وبأي كلفة؛ ذلك أن إنهاء الأزمة هناك بالسرعة المطلوبة يفتح المجال لإعادة الأمن والاستقرار والدولة لليمن ويفتح أفق إعادة الإعمار.
في الوقت الذي تتجه فيه السعودية لبناء اقتصادٍ قوي وتطوير حكومي واسعٍ والتوسع في جلب الاستثمارات ومحاربة الفساد ونشر الرفاه بتوازنٍ وتكاملٍ، تتجه إيران إلى مزيد إنفاقٍ على الميليشيات الطائفية والتنظيمات الإرهابية وإفقار الشعب الإيراني وقمعه بالحديد والنار وصرف جميع إيرادات الدولة الإيرانية على التخريب والدمار، وهو ما يمنح رؤية واضحة لما يمكن أن يكون عليه مستقبل الدولتين.
لا يكاد يمضي يومٌ في السعودية الجديدة إلا ولديها ما تحتفل به؛ مشروعات استثمارية كبرى، أنظمة وقوانين جديدة، إعادة هيكلة لمؤسسات حكومية، انتشارٌ كبيرٌ لمناشط الترفيه، حفلاتٌ لفنانين سعوديين وخليجيين وعرب، كبار الفنانين الدوليين في شتى أنواع الفنون ومشاهير العالم يجولون في المدن الكبرى، تمكين المرأة والسماح لها بقيادة السيارة، افتتاح دور السينما، ونشر الفرح والبهجة كمعطى طبيعي لمجتمعٍ يتجدد، وأنشطة لا تحصى عدداً في المجالات كافة، ثقافياً وإعلامياً وشبابياً، ولا شيء يعزز تماسك الأوطان مثل أن يجد مواطنوها كل أحلامهم تتحقق على أرضهم وبأيديهم، فبناء الأمل ورفع الطموح يرسخان الوحدة ويعززان الولاء والانتماء.
أصبح للترفيه هيئة مستقلة، وللرياضة مثلها، والأنشطة والنجاحات تتوالى، والفرح ينتشر، والتسامح يتم تعزيزه على كل المستويات، والاعتدال أصبح رمزاً، وأمن البلاد يتم فرضه بكل القوة والشمول، وهيبة الدولة مفروضة وسيادتها لا تمس، وبنود مجدها منشورة وهي تتفتق فتوة ونشاطاً باتجاه مستقبل واعدٍ تبنيه سواعد أبنائها بقيادة المليك وولي عهده، عرّاب الرؤية وقائد المستقبل، ومعه الشعب كله بشبابه الذي يتجاوز السبعين في المائة من تعداده السكاني.
من لم يزر السعودية الجديدة فلا يمكنه تصور حجم التطور والتغيير والإصلاح الذي يحدث فيها، فثمة تاريخٌ يصنع بكل ما للكلمة من معنى، والعبارات عاجزة عن الإحاطة بالجهود المبذولة والنجاحات المتحققة.
التغني بالأوطان محمدة، والفرح بقوتها بهجة، وما يجري في السعودية جديرٌ بأن يصبح نموذجاً يحتذى لكثير من دول العالم، فملحمة الإصلاح والتطوير المستمرة على قدمٍ وساق بدأت تنتج ثمارها يانعة في كل مجالٍ باتجاه تحقيق «رؤية 2030». وقد أصبحت الرياض عاصمة الاستثمار والتجديد وبناء المستقبل، يؤمها الناجحون ويقصدها الحالمون ويشاركها قرّاء المستقبل.
المشروع السعودي في المنطقة هو مشروع الاعتدال والتطوير والانتماء للمستقبل، بينما المشروعان المنافسان هما مشروعان متخلفان ينتميان للماضي، ويجران المنطقة القهقرى، المشروع الطائفي الإيراني وما يمثله من قتلٍ وتدميرٍ ونشرٍ لاستقرار الفوضى وترسيخ العنف، والمشروع التركي القطري الإخواني الذي يعتمد الأصولية وينشر التطرف، وبينما تعتمد السعودية الخطط وتبني النجاحات وتوسع شبكة العلاقات الإقليمية والدولية يعتمد المشروعان المنافسان الشعارات الجوفاء والمواقف الرعناء والمزايدات البالية من كل شكلٍ ولونٍ.
في الذكرى الثالثة للبيعة، لم تعد نجاحات السعودية أغنية على شفاه أبنائها، ولا أملاً في أذهان محبيها، بل هي حقائق وأرقام يشهد بها القاصي والداني، وليس على الباحث إلا العودة للأرقام المعلنة من قبل المؤسسات الدولية الكبرى والنظر لما تعلنه تلك الأرقام من حقائق ووقائع، والأرقام لا تكذب، والحقائق لا تحتاج إلى أكثر من معلومة.