سمير عطا الله
حاولت أوروبا أن تتجنب انتقال الصراعات الداخلية التركية إلى أراضيها، فمنعت المهرجانات المؤيدة للرئيس رجب طيب إردوغان. ولو سمحت بها، لكان عليها السماح بمهرجانات معارضيه. ولو سمحت بها، لاشتعلت نيران لا تطفأ. وليس هذا خوف أوروبا الأكبر، بل هو الخوف من الغلاة الأوروبيين الذين يتربّصون بجميع الأنظمة المعتدلة القائمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية: من فرنسا إلى ألمانيا. ومن هولندا إلى بلجيكا، ناهيك بأوروبا الشرقية التي ينزلق معظمها نحو الديكتاتوريات بعد أزمة اللاجئين.
لم يلتقط إردوغان معنى التصرف الأوروبي، أو لم يشأ. فهو بدوره يخوض معركة دستورية وجودية، ولا بد له من الانتصار على خصومه الحقيقيين والمفترضين. وكثير من هؤلاء في أوروبا، يتأثرون بمناخاتها الليبرالية، أو بالموجات المتشددة الجديدة. فلم يعد للوسط وهجه. وكل فريق يحمل فتيلاً بدل أن يحمل مشعلاً.
صعَّد إردوغان الحملة على الأوروبيين على نحو غير مألوف. فلا شك أن هذه فرصة انتخابية لا تتكرر. ولكن النتيجة الأخرى كانت الفائدة التي جناها اليمين الأوروبي من هذه التصريحات الغاضبة. بعد موجة اللاجئين والأحداث الإرهابية في باريس وبرلين ونيس، التي تحولت أسلحة سياسية في أيدي اليمين الأوروبي، جاءت ثأريات الرئيس التركي هدية غير موعودة.
أوروبا قارة خائفة، وهي في حاجة إلى إردوغان كحليف، لا كخصم. وآخر ما تريده أن تثير غضب ملايين الأتراك الذين يحملون جنسياتها، أو يقيمون فيها. كما أنها آخر من يريد فقدان الشراكة الأطلسية مع دولة مثل تركيا.
ماذا كان على أوروبا أن تختار: منع التجمعات التركية المتعادية، ومن ثم، منع وزيرة تركية من دخول هولندا، ومنع وزير خارجيتها من الهبوط على أراضيها، أم العكس؟ لا شك أن في التصرف الهولندي خطأ سياسياً، بدليل الأزمة التي أدى إليها. والخطأ الآخر أنها لم تدرك إلى أي مدى سوف يذهب إردوغان في المواجهة السياسية، فيما هو يخوض جملة من الحروب والمعارك الوجودية والاستراتيجية حول زعامته، وحول مكانة تركيا، شرقاً وغرباً.
خرج إردوغان عن طوره لكي يتهم ألمانيا وأوروبا، بأسوأ التهم: النازية والفاشية. وربما تكون أنجيلا ميركل أبعد إنسان عن التهمتين. وهذه اللغة الغاضبة ألهبت النازية الكامنة في أوروبا، وبررت لها الظهور بهذه العلانية وهذه الطريقة. وصوَّر النازيون الأزمة على أنها حرب أخرى مع الإسلام، وليست معركة مع رئيس متعدد الجبهات والتحولات..
التعليقات