عبداالله المدني
من يبحث في العلاقات السعودية ــ اليابانية سيجد أمامه ثمة حقائق تبرهن على عمق روابط البلدين وتجذرها منذ عقود طويلة، رغم بعد المسافة واختلاف الثقافة، وما زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إليها اليوم ضمن جولته الآسيوية الحالية إلا تعزيز وتمتين إضافي لما بدأ في عام 1955 حينما اتفق البلدان على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة.
كان من شأن هذا الاتفاق الدبلوماسي أن افتتحت الرياض سفارة لها في طوكيو في عام 1958 فكانت من اوائل الدول العربية التي فعلت ذلك، ثم ردت طوكيو فأسست لها سفارة في الرياض بعد عامين. وتقول لنا الأدبيات التاريخية إن أول زيارة لمسؤول سعودي رفيع لليابان كان في عام 1960، حينما زارها وزير النقل والمواصلات آنذاك الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وأن أول زعيم عربي حل في امبراطورية الشمس المشرقة كان المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز الذي زارها رسميا في سنة 1971، وأن ثاني ملك من ملوك السعودية زارها هو المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز طيب الله ثراه، وذلك في يناير 2008 ضمن جولة جلالته التاريخية في آسيا. وبعد أقل من شهرين من زيارة الملك عبدالله لليابان حل بها مجددا نائبه وولي عهده المغفور له الأمير سلطان بن عبدالعزيز.
غير أن الاتصالات الرسمية بين البلدين سبقت كل الاحداث والوقائع التي أتينا على سردها بسنوات طويلة. ودليلنا هو أن المستشار في الديوان الملكي السعودي الشيخ حافظ وهبه (سفير المملكة في بريطانيا لاحقا) زار اليابان في عام 1938، موفدا من الملك عبدالعزيز لحضور افتتاح مسجد في «يويوجي» معقل المسلمين اليابانيين بالعاصمة طوكيو. وفي العام التالي استقبلت الرياض مبعوث اليابان الى مصر السفير «موسايوكي يوكوهاما» كأول موفد من الحكومة اليابانية إلى السعودية. تلا ذلك، وتحديدا في عام 1953، حلول أول وفد اقتصادي ياباني في المملكة.
على أن المنعطف الأبرز في تاريخ روابط البلدين تجسد في اختيار اليابان في عام 1957 للسعودية كوجهة لأول استثمار لها في منطقة الشرق الأوسط، ونعني بذلك استثمارها في قطاع النفط السعودي عبر الحصول على حق التنقيب عن النفط وانتاجه وتصديره من المنطقة الحدودية الفاصلة ما بين السعودية والكويت (المنطقة المحايدة). هذه الواقعة النفطية، وما نجم عنها من تميز اليابانيين ودقتهم في اكتشافاتهم وأدائهم، مهدت في الحقيقة الطريق امام إقامة علاقات تجارية واقتصادية بينية مثمرة في ظل بروز اليابان كقوة صناعية وتصديرية معتبرة بـُعيد الحرب العالمية الثانية وكمستورد عالمي للنفط من جهة، وبروز السعودية كسوق إقليمية للمنتجات اليابانية المتنوعة من جهة أخرى.
ولعل ما زاد علاقاتهما رسوخا وتشعبا واضطرادا مع مرور الزمن هو الحقائق التالية:
ــ نظرة الاعجاب التي أبداها ويبديها السعوديون حكومة وشعبا تجاه اليابان لنهوضها السريع من هزيمتها وكبوتها في حربها مع الحلفاء، وتحقيقها لمعجزات اقتصادية وتكنولوجية باهرة في زمن قياسي. هذه النظرة التي كانت على العكس من نظرة دول وشعوب عربية أخرى ظلت تنتقد اليابان بسبب روابطها الاستراتيجية مع الغرب، واصفة إياها بالدولة المتحالفة مع الامبريالية.
ــ تجنب الحكومات اليابانية المتعاقبة إقحام نفسها في الشئون العربية. فلم تصطف مثلا مع المحور العربي الراديكالي المعادي للسعودية ودول الخليج في عقدي الخمسينات والستينات.
ــ سياسات البلدين الخارجية المتشابهة لجهة التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الامريكية والغرب عموما، مع تباينات بسيطة في نوعية التحالف ومداه.
ــ قيام البلدين بلعب أدوار مسئولة متشابهة، كل في نطاقه الاقليمي الخاص، لجهة تخفيف الازمات والاحتقانات، وتقديم المساعدات الإنمائية للدول الأقل دخلا في العالم الثالث، واطلاق المبادرات البناءة من أجل عالم يسوده الأمن والسلام.
ــ انتهاج البلدين لسياسات خارجية معتدلة قوامها الأسلوب الهادئ والابتعاد عن العنتريات والشعارات الفارغة، ورفض التدخل في شؤون الدول الأخرى.
ــ الشعور المشترك بمخاطر سعي جاراتيهما (إيران وكوريا الشمالية) لامتلاك القدرات النووية واسلحة الدمار الشامل، معطوفا على تناغم مواقفهما حول محاربة الارهاب العالمي الذي يهدد كليهما ضمن دول أخرى كثيرة.
ــ تطابق رؤية البلدين حول شؤون الطاقة وضرورة تأمين خطوط امداداتها واستقرار أسواقها وفق أسعار معتدلة تخدم نمو الاقتصاد العالمي.
ــ حاجة كليهما للآخر. فالمملكة بحاجة للمساعدات اليابانية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والمهارات والخبرات المتراكمة في ظل تنفيذها لبرنامج طموح يهدف إلى تنويع اقتصادها. واليابان مهتمة بأمن منطقة الخليج والشرق الأوسط خوفا من انقطاع الشريان الذي يمد صناعاتها بأسباب الحياة. هذا الخوف الذي تنامى سابقا مع حرب حزيران 1967 وحرب أكتوبر 1973 والحرب العراقية الايرانية في الثمانينات وحرب تحرير الكويت في 1991 ويتنامى اليوم مع سياسات طهران العدوانية، وأعمال الجماعات الارهابية، والاوضاع الملتهبة في الشرق الأوسط.
* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين
التعليقات