عبد الرحمن الراشد
ولت تلك الأيام عندما كان السفر جواً تجربة شخصية جميلة، كنا نودع ونستقبل أحبابنا عند البوابات وفي بعض المطارات عند سلم الطائرة. اليوم المطارات ثكنات عسكرية مدججة بالسلاح وأجهزة المراقبة، والطائرات مزروعة بالحراس الذي يمثلون دور الركاب الأبرياء.
الحقيقة أن مخاطر سلوك البشر غير الأسوياء، من مرضى عقليين إلى إرهابيين، قديم قدم الطيران نفسه. ففي عام 1955 انفجرت طائرة أميركية في رحلة داخلية، يعتقد أنها بفعل شخص وضع قنبلة في حقيبة أمه طمعا في بوليصة التأمين. واكتشف كثيرون كم هي سهلة ومثيرة عمليات خطف الطائرات، وأنها أفضل وأسهل وسيلة لجعلها قصة عالمية فور وقوعها. معظم العمليات الإرهابية في الستينات ولاحقا ارتكبها كوبيون وليسوا عربا، ثم اكتشفت التنظيمات العربية والفلسطينية اليسارية لاحقا في السبعينات فعالية الخطف في شد انتباه العالم لقضيتهم، لكن انقلب السلاح على أصحابه وحولتهم إلى إرهابيين في نظر العالم.
لا تعني شيئا لي، وربما معظم الركاب، الممنوعات الجديدة التي فرضتها القوانين الأميركية على الرحلات القادمة من منطقة الشرق الأوسط، وشملت أجهزة الكومبيوتر المحمولة لتضاف إلى قائمة طويلة من محظورات الطيران السابقة. وهي مثل الممنوعات من الكريمات والعطورات وعلب المياه ممكن أن نعيش من دونها خلال الثلاث عشرة ساعة طيران إلى نيويورك. وما دام أنه مسموح لنا أن نحمل معنا، في مقصورة الركاب، هواتفنا الجوالة، صلتنا بالعالم، فإنه ليس صعباً الاستغناء عن بقية الأجهزة. أما لو ضمت الهواتف الشخصية إلى قائمة الممنوعات، وهو أمر محتمل، فإن بَعضنَا سيفكر طويلاً قبل صعود الطائرة، فالهاتف أصبح جزءاً من الإنسان، مثل كليته ورئته، أثمن ما في حياة الشخص العصري.
لكن السؤال الأساسي الذي نسينا أن نسأله، هل حقاً هناك تهديدات إرهابية إلى هذه الدرجة التي تستوجب التضييق على حياة الركاب في أنحاء العالم، وتفسد صناعة الطيران؟
من المؤكد أن هناك حرباً واسعة، وغير محدودة الأسلحة، بين الإرهابيين والحكومات المستهدفة وأولها الأميركية ولا يزال الطيران على أول أهدافها. وقد سبق أن سمعت في واحدة من المختصرات الفكرية من خبير في شؤون الإرهاب أنه تم التقاط معلومات من خلية لتنظيم داعش، كانت تتحدث عن عمل إرهابي كبير في الولايات المتحدة يوازي هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وكان ذلك في الرقة في سوريا، وتم استهداف المجتمعين بالقصف. وقد لا تكون هذه الرواية تحديداً صحيحة، لكن شبه مؤكد أن الإرهابيين يستهدفون الطيران كونه وسيلة سهلة. ولا شك أن الإرهابيين نجحوا في محاصرة صناعة الطيران، التي غلب الهاجس الأمني فيها على كل نشاطاتها.
أما اختصار الممنوعات على مسافري شركات الطيران العاملة من منطقة الشرق الأوسط، فإنه ربما يشعر مسؤولي الأمن بشيء من الارتياح، لكنه لن يردع الإرهابيين الذين احترفوا وسائل الاحتيال. لم يعد الإرهابي ذلك الذي كانوا يظنونه سابقاً، شاباً مراهقاً مسلماً شرق أوسطي. أصبحت كل الاحتمالات واردة، فالذي نفذ عملية الهجوم الإرهابي في لندن الأخيرة عمره 52 عاما، مسلم كان مسيحياً في السابق، ومن أصول جامايكية، فعلياً، لا يملك شيئاً من ملامح صورة الإرهابي التقليدية.
ولأن الإرهاب، فكراً وسلاحاً، فشل العالم في القضاء عليه، فإن تطوير التقنية كان الأمل المتبقي في محاصرته وتقليص دوره. لكن حتى التقنية خذلتنا؛ حيث إنها وسيلة الإرهابيين إلى اليوم في التجنيد وتوجيه العمليات عن بُعد.
التعليقات