عبد الله خليفة الشايجي
لقد فاجأ فوز الرئيس دونالد ترامب كثيراً من قادة العالم، وربما أراح كثيرين أيضاً، كما تسبب في قلق ومخاوف لآخرين، وخاصة أنه لم يكن رجل سياسة ولا رجل دولة، بل رجل أعمال طموحاً من الطراز الأول، يؤمن بمفهوم الصفقات والربح والمرونة والتفاوض لتحقيق مردود أعلى.
وقد أنهى ترامب يوم السبت، 29 أبريل 2017، يومه المئة في البيت الأبيض، وسط انقسامات وتباين حول إنجازاته في وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية، وتأكيد أن شعبيته كرئيس في المئة يوم الأولى بالمقارنة مع رؤساء الولايات المتحدة، هي الأدنى خلال فترة الخمسة وستين عاماً الماضية. وإن كان هذا أيضاً لا يثني ترامب عن التأكيد على تميز نجاحه، والافتخار بإنجازاته، الساعية لجعل أميركا عظيمة مجدداً تطبيقاً لشعار حملته الانتخابية.
ومن اللافت التحول الكبير والمطمئن إلى حد ما في سياسة ترامب، الذي يبدو أكثر انخراطاً وتفهماً للتهديدات التي تواجهها دول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة دول ومليشيات مسلحة وإرهابية، وكذلك خطر الإرهاب، ونظرته لدور الحلفاء المسلمين المعتدلين في الحملة على التنظيمات الإرهابية. وتفهم حجم القلق الخليجي المعبّر عنه في الاجتماع الثلاثي قبل أيام في الرياض لوزراء الخارجية والدفاع والداخلية الخليجيين، من التهديدات والتحديات، وخاصة من التنظيمات الإرهابية ومن سياسات وتدخلات إيران وأذرعها في المنطقة.
وقد شهدت المنطقة خلال المئة يوم الأولى من إدارة ترامب تحولات كبيرة وملحوظة تجاه ملفات الشرق الأوسط، من زيارات لبعض القادة للبيت الأبيض، واتصالات الرئيس ترامب مع قادة دول المجلس، وتعهدات منه بالوقوف مع دول المجلس وتقديم الدعم لها. كما بادر أيضاً بفرض عقوبات على إيران بسبب تجاربها الصاروخية. ولم يتردد أيضاً في خوض مواجهات في اليمن، وسوريا، حيث قصف قاعدة الشعيرات رداً على قصف خان شيخون بالسلاح الكيماوي مطلع شهر أبريل الماضي.
وواضح أن موقف إدارة ترامب حول الكثير من القضايا الاستراتيجية التي تهمنا في دول مجلس التعاون تقترب من دون أن تتطابق كلياً مع المواقف الخليجية، وخاصة حول ملفات إيران وسوريا والعراق، من الحزم في موقفه تجاه إيران، واتخاذه لموقف متقدم في سوريا، وتحول مهم آخر يقترب من الموقف الخليجي في اليمن نحو المزيد من الانخراط، وتفهم الموقف الخليجي، وتقديم الدعم العسكري والسياسي والأمني، ولذلك فليس مستغرباً الشعور بالارتياح الخليجي من سياسات ومواقف إدارة ترامب على رغم عدم بلورتها لاستراتيجية متكاملة واضحة المعالم.
وكان ترامب، في تحول كلي عن خط أوباما، أصدر أوامره للوزارات والإدارات الأميركية بتقديم توصية خلال تسعين يوماً بعد مراجعة الاتفاق النووي مع إيران. ووصف ترامب، ووزيرا الدفاع والخارجية، إيران بالدولة الأولى الراعية للإرهاب. وفرض عقوبات على شخصيات ومنشآت إيرانية. مع التهديد بفرض مزيد من العقوبات من قبل الإدارة الأميركية والكونجرس. ولاحقاً فرضت وزارة العدل الأميركية أيضاً عقوبات على موظفين سوريين يعملون في مركز دراسات مسؤول عن المواد الكيماوية، بعد قصف النظام السوري لخان شيخون بالغاز الكيماوي. ولم يتردد ترامب أيضاً في كيل سيل من التحذيرات والشتائم بأوصاف غير مسبوقة لرئيس النظام في سوريا. ولأول مرة يصرح وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، باقتراب نهاية أسرة آل أسد، وأنه لا دور للأسد في مستقبل سوريا. وكذلك تلميح السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي بتغيير النظام في دمشق.
كما كان ملحوظاً أيضاً التحول الأميركي الآخر باقتراب موقف إدارة ترامب أكثر من الموقف الخليجي في اليمن. وكان مريحاً ومطمئناً تأكيد وزير الدفاع الأميركي في زيارته الأولى للرياض نهاية شهر أبريل المنصرم، تفعيل قرار مجلس الأمن 2216، ووقف القصف الصاروخي الذي يقوم به الحوثيون، ووقف دور إيران في دعمهم، وتفعيل أكبر للدور الأميركي في اليمن بدعم عسكري وأمني، ورفع المنع عن تزويد السعودية بأسلحة ذكية ضمن استراتيجية متكاملة للوقوف مع الحلفاء الخليجيين، وخاصة السعودية، التي تشكل مركز ثقل أمني كبير في المنطقة، ضمن استراتيجية إدارة ترامب لمحاصرة وردع تمدد إيران وأذرعها في المنطقة.
وهذا الموقف المتقدم من إدارة ترامب تجاه جميع القضايا والملفات الإقليمية الساخنة، كاستمرار التمرد الحوثي دون تهديد أو فرض عقوبات من مجلس الأمن، بل بتغطية من الأمم المتحدة ومبعوثها لليمن، الذي قدم آخر إبداعاته لتعطيل بدء عملية ميناء الحُديدة المهم على البحر الأحمر، وتأجيل بدء عملية تحرير الميناء المهم والمصدر الرئيسي للأسلحة المهربة للحوثيين، ومنع إيصال المساعدات الإنسانية لملايين اليمنيين الذين يواجهون شبح الجوع.
ولكن على رغم ذلك التقارب والارتياح الأميركي- الخليجي من التحول الواضح لسياسات ترامب، المختلفة كلياً عن سياسات أوباما، فإن هناك قلقاً أيضاً من عدم بلورة استراتيجية متكاملة وفعالة. كما أن ترامب عوّد الجميع على تقلباته، ما يبقي عامل عدم اليقين وعدم القدرة على التنبؤ بسياساته وارداً من حيث المبدأ. ومع هذا، واضح أن ترامب يتعلم وينضج في منصب الرئيس! وهذا مؤشر على واقعية ونضج ومرونة. والحلفاء بحاجة لاستراتيجية متكاملة قابلة للتطبيق تتناغم مع المصالح الثنائية لطمأنتهم، وللشعور بالارتياح، كما يجب إبقاء الخصوم أيضاً في حالة قلق وتوجس وعدم ارتياح.
التعليقات