باسم الجسر

«صفحة جديدة لمعالجة الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط»، أم «تعزيز للعلاقات السعودية - الأميركية»، أم اعتراف دولي بدور المملكة العربية السعودية في العالمين العربي والإسلامي، أم خطوة مهمة في الحرب على الإرهاب...؟ أيا كان العنوان أو الوصف الذي أطلق على هذا الاجتماع الدولي - العربي - الإسلامي في الرياض، فإن ثمة حقائق قد تجلت وأن صفحة جديدة في العلاقات الأميركية - السعودية وفي الصراعات الشرق أوسطية، وفي العلاقات الأميركية - السعودية باتت تنتظر التنفيذ. وهذا هو الأهم.
واقعيا، هناك عنوان أو قضية يتفق عليها جميع المؤتمرين في الرياض ألا وهي محاربة الإرهاب و«داعش» خصوصا. مع العلم بأن هناك تباينات بين الدول المؤتمرة حول تحديد الإرهاب وتسمية التنظيمات الإرهابية. ولكن هذا لا يؤثر على تفاصيل الخطة أو الخطط التي ستوضع لمحاربة الإرهاب والقضاء على «داعش». ثم إن الرئيس الأميركي الجديد، الذي فتح هذه النافذة الجديدة على سياسة واشنطن الخارجية، قد يصطدم بالكونغرس واللوبي اليهودي المعارض لأي تقارب أو تحالف أو تعاون بين واشنطن والدول الإسلامية والعربية.
غير أن هذا الحدث الدولي الدبلوماسي والاستراتيجي المهم، ترافق مع حدثين مهمين هما الرؤية الاقتصادية الجديدة التي أعلنها ولي ولي العهد ومع إنشاء الصناعة الحربية السعودية. فهاتان الخطوتان تشكلان قاعدة تطوير الاقتصاد السعودي وتعزيز قوتها العسكرية، وبالتالي تعزيز اتكالها على نفسها عسكريا وتطوير اقتصادها إنتاجيا.
بطبيعة الحال لا يسر هذا التعزيز للعلاقات السعودية - الأميركية أكثر من طرف مشارك أو متدخل في الصراعات الشرق أوسطية - وما أكثرها - وعلى الأخص إيران وإسرائيل وغيرهما أيضا. ولذلك حرص الرئيس الأميركي على زيارة إسرائيل بعد زيارته للرياض ولم تتردد الإدارة الأميركية في تشديد وتوسيع عقوباتها على إيران والتنظيمات المتطرفة والمسلحة التابعة لها في لبنان وغيرها، ولا في سوريا أيضا.
تبقى هناك دولتان معنيتان بهذا التطور أو التحول الجديد في العلاقات الأميركية - السعودية - الخليجية - الإسلامية، ونعني روسيا وتركيا، اللتين تختلف استراتيجيتهما الشرق أوسطية كثيرا عن استراتيجية واشنطن وبعض الدول العربية والإسلامية. إلا أن قدرتهما مهما بلغت لن تستطيع تعطيل مفاعيل ونتائج هذا التحول الاستراتيجي المهم الذي تكرس في مؤتمر الرياض العربي - الإسلامي - الأميركي.
إن النزاعات التي فجرها الربيع العربي في الشرق الأوسط والتي ما زالت نيرانها مشتعلة في سوريا والعراق وليبيا واليمن، كان بعضها منتظرا نظرا لطبيعة الحكم السلطوي الذي كان قابضا على السلطة فيها، ولكنها ما كانت لتتضخم وتستجلب تدخل الدول الكبرى فيها فتتمادى وتتسع، ويصبح الإرهاب عنصرا أساسيا فيها، لولا دخول العالم بأسره في عصر المجتمعات التواصلية - الإلكترونية الجديد، عصر الأزرار التي تنقل الصور والأصوات والصواريخ والطائرات بكبسة عليها. ولو لم تكن فضائية تلفزيونية أكثر تأثيرا على مشاعر الشعوب وتفكيرها من أي شيء آخر.
لا شك في أن هذا المؤتمر الذي عقد في الرياض ومشاركة الولايات المتحدة فيه إلى جانب دول عربية وإسلامية، يشكل نقلة سياسية دولية مهمة. وأن محاربة الإرهاب بعده سوف تتخذ منحى ومجرى جديدين، وأنه كرس قدرة السعودية على مقاومة الإرهاب وعلى حماية نفسها، وجعل الدول العربية والإسلامية تلتف حولها..