وسام سعادة

بعد ان أُقحم اللبنانيّون في دوامة التوافقية التعجيزية والإستنسابية تراهم يدخلون اليوم في دوامة جديدة، فكلما ضاقت أمامهم حدود أخذ القرار بالإجماع، كما حدود أخذ القرار بالتصويت، تراهم يدخلون أكثر فأكثر في ورطة طرح موضوعات جديدة، من فوق الموضوعات المستعصية والمتراكمة وفي طليعتها قانون الإنتخاب. يمتنع الاتفاق على قانون جديد، تهب نسمة تشاؤم ثم نسبة تفاؤل ثم تشاؤم، وفي لمح البصر يشت النظر عن مشكلة قانون الانتخاب الى قضية أخرى، مرة سلسلة الرتب والرواتب، ومرة مجلس الشيوخ، كل هذا في بلد صارت الهوة فيه كبيرة بين القانون الدستوري وبين الحياة السياسية، في بلد جرى الاطاحة فيه بأبرز العناوين الاصلاحية لاتفاق الطائف منذ الانحراف في تطبيقها وقت القيام بتعديلات دستوري لادخال المنصوص عنه في الطائف الى متن الدستور، فلا عدد النواب احترم، ولا صلاحية تفسير الدستور المناطقة بالمجلس الدستوري أبقيت في هذا المجلس، ولم نعد نعرف حقيقة من هو المرجع في تفسير الدستور عندما يتجاوز الأمر مجرد النظر في دستورية القوانين والطعون الانتخابية، وكل هذا حدث قبل أكثر من ربع قرن، وهذه مدة زمنية تطورت فيها تجارب المجالس والمحاكم الدستورية او العليا في البلدان الديموقراطية، بحيث صار مجالها يتعلق اكثر فأكثر بقضايا حقوق الانسان. 

واليوم، مرة جديدة، دوامة جديدة حول تفسير الدستور، فيما يتعلق بالنشاط التشريعي للمجلس النيابي، والموعد النهائي لاقرار القانون الانتخلابي الجديد، وفيما يتعلق بمجلس الشيوخ، وفصل المناصفة عن الغاء الطائفية السياسية، وكل ما يراكم من عناوين يعرف من يطرحها أنّها غير مطروحة الآن لا للخصام الجدي حولها ولا للاتفاق حولها، بل هي مطروحة بانتظار ان يلوح بارقة فيما يتعلق بالقانون الانتخابي والانتخابات. 

وسط كل هذا يستهلك المشهد بمكابرتين.

واحدة، مكابرة على طائفية الواقع السياسي. الجنوح لاعتبار «الأنا» منزهة عن الطائفية، و»الآخر» حكماً طائفياً، ثم تبرير الاضطرار للمسلك الطائفي بازائه، بغرض ردعه. 

المكابرة الثانية تتصل بكون المعطى الطائفي في حركة تغير دائم ولا يثبت على حال. فاذا اردنا قرارا من الثبات في القانون الانتخابي وجب ان يصاغ هذا القانون ليس خدمة لأشخاص محددين، ولا لظرف محدد، ولا لموجة لها توقيتها وحيثيتها. 

ما دامت الانتخابات لا تنظم خارج القيد الطائفي لا يمكن معاملة هذا القيد الطائفي كديكور. لكن، ما دامت الانتخابات هي كذلك انتخابات تشريعية لا يمكن الذهاب بعيداً في الاطاحة بمبدأ المواطنية القائم على المساواة في الحقوق والواجبات بين الأفراد اللبنانيين. 

هنا انعدام توازن في الاتجاهين اليوم. ولا يبدو ان ثمة قلق كاف من أجل خلق وعي توازني ضاغط من أجل التوصل الى قانون جديد لا يكابر على الواقع الطائفي ولا يكابر على كونه واقعاً متغيراً، غير جامد، ويتصالح في نفس الوقت مع مبدأ المواطنية الذي يصعب التوفيق بينه وبين «الصوت التفضيلي» على صعيد الطائفة مثلاً. 

ومع ان الجميع وضع نفسه تحت اتفاق الطائف، الذي يقول بالمحافظة كدائرة انتخابية بعد اعادة النظر في التقسيمات الادارية، ومع ان اعادة النظر حصلت وصارت المحافظات اللبنانية ثمانية، عكار ولبنان الشمالي وبعلبك الهرمل والبقاع وجبل لبنان ولبنان الجنوبي والنبطية، فانها لمفارقة كبيرة ان لا تجد من يطالب اليوم، بالحاح، بالتزام هذا البند في الاتفاق، الذي يعطي للمسيحيين ما لا يعطيه اي قانون اخر - باستثناء قانون اللقاء الأرثوذكسي، والذي يمكنه ان يجمع بين منسوب حسن من صحة التمثيل وبين منسوب جيد ايضاً من التنافسية الانتخابية، كما ان الطائف لم يقل بالتصويت، نسبياً كان او اكثرياً، ويمكن تطبيق بنده المتعلق بالمحافظات الانتخابية مع شيء من النسبية، او حتى مع النسبية الكاملة. 

الذهاب بعيداً في طرح مشاريع مزركشة، و»دهاليزية»، بدل تطبيق بند الطائف حول قانون الانتخاب، بشكل يسمح لنا بتقييم الاطار الذي وضعه الطائف للوفاق الوطني والاصلاح السياسي في هذا البلد، يترافق مع الذهاب بعيداً في الجدل الدستوري المنصرف عن الواقع.