سلطان محمد النعيمي

«لا نتساهل في مواجهة دول كبرى مثل بريطانيا وأميركا، فكيف إذا كان إزاء دولة صغيرة وحقيرة مثل قطر»، على رِسلك يا من أثار العنوان حفيظتك. وعلى رِسلك يا من ترفض ما جاء آنفاً، فإن كنت قرأت الشطر الأول من عنوان هذه المقالة وتوقفت لأنه أثارك، أرجو أن تكمل شطره الثاني، فإن قائل العبارة سابقة الذكر والتي لا نرضاها لدولة قطر الشقيقة، ليس كاتب هذه السطور، وإنما المنظور الإيراني، فقائلها هو «علاء الدين بروجردي» رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني (المصدر: موقع شفقنا، نقلاً عن تصريح لبروجردي لقناة الميادين - 4 يونيو 2013م).

السطور القادمة لمن يتطلع إلى الرؤية العقلانية في الطرح وتعاطي منطقي للأمور، أما من بدأ بالقدح والذم لكاتب هذه السطور بمجرد قراءته لما تقدم، فليس لكاتب هذه السطور سوى دعوة صادقة له أن يُحكِم العقل والقراءة المنطقية، وتكون له قابلية لتقبل زوايا أخرى علها تكون مساعدة في المزج بين العاطفة والعقلانية.

يستمر البعض في القدح والذم، ويأتي البعض الآخر ليسير مع كاتب هذه السطور لاستكمال هذا المقال.

العلاقات الثنائية بين الدول أمر بدهي، فحتى الدول التي تجتمع في تحالفات أو اتحادات غالباً ما تكون لها علاقات ثنائية مع دول خارج نطاق ذلك التحالف أو الاتحاد. هذه العلاقات الثنائية دائماً ما تبقى رُحاها تدور في فلك المحافظة على الأمن الجماعي، ولعلنا شاهدنا ذلك واضحاً في موقف الاتحاد الأوروبي و«الناتو» بعد الموقف الروسي من الأزمة في أوكرانيا وضم جزيرة القِرم لها. لسنا بعيدين عن ذلك في حالتنا التي نعيشها في مجلس التعاون الخليجي. قطر الشقيقة وحفاظاً على الأمن الجماعي لدول مجلس التعاون الخليجي الذي هو جزء لا يتجزأ من الأمن الوطني لدولة قطر، قامت في مؤشر واضح على الحرص على ذلك الأمن، باستدعاء سفيرها لدى طهران، وذلك على خلفية الاعتداء على السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد.

تصريحات «بروجردي»

جميل هذا الموقف القطري، الذي يؤكد حرصها على الأمن الخليجي، ولكن مهلاً يجب أن لا ننسى أن «قطر تحولت إلى عامل مثير للأزمات في المنطقة، وسياسة قطر لا تقتصر على الأزمة السورية؛ إذ تتدخل في الأزمة الليبية وعدة مناطق أخرى بشكل يفوق إمكانياتها وقدراتها، ومن الطبيعي أن هذه السياسات يتم إملاؤها من أماكن أخرى». دون تريث أو تفكير سيقول البعض إن هذه تصريحات تسير في إثر الحملة الإعلامية على قطر كما يتصورها البعض، وهي قادمة إما من المملكة العربية السعودية أو من دولة الإمارات أو مملكة البحرين. ألم نقل على رسلك منذ البداية لمن أثار العنوان حفيظته وبدأ بالذم والقدح، التصريح قادم من النظام الإيراني ومن جديد على لسان «علاء الدين بروجردي» على موقعه الشخصي بتاريخ 24 أبريل 2013م. لاحظ معي أيها القارئ الكريم تاريخ هذا التصريح.

«هل السعودية وقطر ستتخذان سلوكاً بناء في المستقبل في سوريا، أم أنهما ستستمران في دعم الجماعات المسلحة وبعض التيارات الإرهابية في المنطقة» الحديث لحسين عبداللهيان مساعد وزير الخارجية الإيراني السابق للشؤون العربية والأفريقية، ومستشار رئيس البرلمان الإيراني الحالي (المصدر: وكالة أنباء فارس – مارس 2017م). هذا هو منظور النظام الإيراني الحقيقي لدولة قطر. هل المنظور الإيراني وضع دولة قطر مع إيران أم مع شقيقتها الكبرى المملكة العربية السعودية؟

أين المنطقية والعقلانية؟

نعود من جديد مع القارئ لنتمعن في التصريح التالي:«علاقتنا مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية عريقة وتاريخية ووثيقة، ونريد تعزيز هذه العلاقات أكثر مما مضى» كان ذلك تصريح الأمير تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر. أدعو القارئ هنا إلى المنطقية وعقلانية التعاطي في تحليلنا لهذه التصريحات، ولا أدري إن كان القادح والذام لكاتب هذه السطور لا زال معنا أم لا، ولكن لنعود بالقول إن مثل هذه التصريحات لا ينظر لها نظرة مجردة فحسب، وإنما لابد من الوضع في الاعتبار عاملي الزمان والمكان والظروف المحيطة حين تأتي مثل هذه التصريحات.

«قطر تواجه خطر الانهيار بسبب سياساتها متعددة الأطراف التي تستلزم خداع كل الأطراف، ويوماً ما سيدفع شيخ تلك القبيلة ثمن سياساته». هل من المنطق- أيها القارئ الكريم- أن نعتقد أن هذا التصريح قد يأتي من إحدى دول الخليج التي تشترك مع جيرانها بذات النمط في السلطة الشرعية والعقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم؟ يُجيب القارئ بالإيجاب مستشهداً بالحديث الذي دار بين أمير قطر السابق وبين القذافي والحديث عن مكائد ضد المملكة العربية السعودية. فهل هذا التصريح جاء من إحدى دول الخليج نتيجة للسياسات القطرية ومن مبدأ المعاملة بالمثل؟ تريث أيها القارئ، ألم نقل لك أن لا تغفل عن الشطر الثاني من عنوان المقالة، إنه من موقع إيراني أصولي يدعى «شفاف» بتاريخ 1 مايو 2012م.

بالعودة إلى تصريحات أمير قطر فإنه لا يخفى على القارئ الكريم الظروف الراهنة التي تمر بها المنطقة واستمرار النظام الإيراني في تدخلاته فيها، لتأتي قمم الرياض وتؤكد على التقارب الكبير بين منظور الإدارة الأميركية ومنظور دول مجلس التعاون الخليجي، ينطلق بعده النظام الإيراني بدءاً من المرشد، مروراً بالرئيس الإيراني ووزير خارجيته، وليس انتهاءً ببقية مسؤولي النظام الإيراني، للبدء بوابل من الانتقادات للمملكة العربية السعودية، والتي تأتي في منظور النظام الإيراني بوصفها حجر الأساس في مواجهة تدخلاته في المنطقة. المتحدث باسم لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني على سبيل المثال، وتعقيباً على تلك القمم، يقول: «رسائل هذه الزيارة دعم الإرهاب وإثارة الحروب في المنطقة».

تصريحات وكالة «تسنيم»

أدعو الجانب المنطقي والعقلاني لدى القارئ الكريم أن يرى ما هو الفرق بين مثل هذا التصريح وبين ما جاء في وكالة أنباء «تسنيم» التابعة للحرس الثوري بتاريخ 29 أبريل 2017م، بالقول إن «داعمي الجماعات الإرهابية التكفيرية قدموا خلال 6 سنوات 45 مليار دولار للقيام بعمليات إرهابية ضد الشعب والجيش السوري. احتل الكيان السعودي المرتبة الأولى في دعم الإرهاب بقيمة 18 مليار دولار، في حين احتل الكيان الحاكم في قطر المرتبة الثانية بدعم وصلت قيمته إلى 17 مليار دولار». لاحظ معي- أيها القارئ الكريم- عبارة «كيان» في وصف الأنظمة الحاكمة في كل من السعودية وقطر، والتي يقابلها في اللغة الفارسية لفظ «رژیم». لفظ دائماً ما يستخدمه النظام الإيراني في رؤيته المنتقد للأنظمة الرافضة لتدخلاته، في حين يستخدم لفظ «نظام» التي تأخذ ذات المعنى في اللغة العربية في توصيف الأنظمة إما المتسقة معه، أو يستخدمها بصورة نفعية في حال وجود مصلحة يسعى لتحقيقها. فهل النظام الإيراني يستحق الإيعاز لمؤسسات الدولة في قطر لتعزيز تعاونها معه، وعدم مراعاة الظروف الراهنة وما تقوم به المملكة العربية السعودية من جهود لوقف استمرار النظام الإيراني في تدخلاته في المنطقة؟

إيران تصف قطر بـ«الكيان»

بعد هذا التوصيف والمنظور الحقيقي لدولة قطر ونظامها الحاكم من قبل النظام الإيراني الذي يصف نظام الحكم في قطر بالكيان، إذا بالنظام الإيراني يأتي ليستغل الفترة الحالية ويقول على لسان القائد الأسبق للحرس الثوري وعضو «مجمع تشخص مصلحة النظام» محسن رضائي، إن «تدخل آل سعود في الشؤون الداخلية لدولة قطر المستقلة بحجة الصداقة مع إيران يعتبر تجاوزاً لحدودها». هل أصبحت دولة قطر حكومة وشعباً تنتظر من النظام الإيراني أن يتحدث باسمها، كما هو الحال بالنسبة للحوثيين و«حزب الله» مثلاً؟. هل هذا بالفعل موقف النظام الإيراني الحقيقي أم أنه بالفعل يصطاد في الماء العكر؟

من هنا نعود للحديث عن تصريح أمير قطر لأترك للقارئ مساحة الجانب المنطقي والعقلاني في التمعن في السياق الزمني والظروف الراهنة التي صاحبت هذا التصريح، والتي أفضت بدورها إلى قيام النظام الإيراني باستغلالها، ويسمح لنفسه بأن يتحدث بالنيابة عن قطر. هل كان ذلك التوقيت في ظل المعطيات سابقة الذكر متسقة مع الأمن الجماعي لدول مجلس التعاون الخليجي؟

«لا شك أن القطريين يمولون الكثير من الجماعات المتطرفة في الشرق الأوسط، ومن بينها الجماعات التكفيرية في سوريا والميلشيات المتطرفة في ليبيا والشيوخ والتجار والسياسيون العراقيون الفوضويون والداعون لتقسيم العراق» تصريح آخر للدعم القطري للإرهاب من منظور إيراني جاء في وكالة «تسنيم» بتاريخ 24 مايو 2015.

تصريح آخر قادم هذه المرة من «محمد كلبايكاني»، مدير مكتب المرشد الإيراني، بالقول إن قطر ليست سوى دمية بيد المخطط الرئيسي لأحداث سوريا (وكالة الأنباء الإيرانية 20 يوليو 2012م).

هل بعد كل ذلك ننتخب هذا الوقت لتعزيز العلاقة مع النظام الإيراني، في حين أن المملكة العربية السعودية تبذل الجهود لمواجهة الخطر الإيراني؟ ألا نلتفت للدمار الذي يحدثه النظام الإيراني ومليشياته المنتشرة في المنطقة؟ هل يُعقل أن نطلق على المدعو «حزب الله» حركة مقاومة، ونرى أمينه العام المدعو حسن نصر الله لا ينفك يتدخل في شؤون دول الخليج، ويُحرّض في البحرين ويرسل عناصر تخريبية للمنطقة؟ مقاومة «حزب الله» كانت منطقية فترة الثمانينيات حينما كان كل جُل عمله مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ولكن انكشف لاحقاً أن ذلك لم يكن سوى نقطة انطلاقة للنظام الإيراني لاستغلال هذه الحزب لخدمة مصالحه. بين الدعوة الخليجية الصادقة لقطر الشقيقة لمراجعة سياساتها والتمسك بالعقد الخليجي والإيمان بأن لا أمن وطنياً للدوحة دون أمن للشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية وبقية شقيقاتها في دول الخليج، وبين ما تكشف في هذا المقال من المنظور الحقيقي للنظام الإيراني لدولة قطر، نترك للتفكير والمنطقية مساحة، بعيداً عن المكابرة والتعنت.

نسخة إلى القادح الذام.