بدر عبدالملك

في الوقت التي كانت جمعة طهران منشغلة باختيار رئيسها الجديد، كانت جمعة الرياض منشغلة بالاستعدادات الكبيرة إلى لقاء تاريخي، بين الملك سلمان والرئيس الامريكي ترامب، حيث يشكل هذا اللقاء نقلة تاريخية وفصل جديد في العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية، إذ تضع الدولتين حجر بناء يؤسس للمستقبل المنظور والبعيد، ليس للبلدين وحسب وانما للعلاقات الدولية ولمنطقة الشرق الاوسط في مجملة، فقد باتت السعودية تشكل قوة اقليمية مهمة فلا يمكن هندسة اية مشروع خارجي مالي ونفطي واستثماري عالمي دون وضع الحسابات والاعتبارات لهذه القوة الجديدة في الاقتصاد العالمي، والتي تتكشف عن قدرات كامنة في اللعب في تغيير ملامح المنطقة.
هذا الدور الجديد الذي تقود قاطرته المملكة في ثلاثة محطات اساسية هو الكيان الاقليمي الخليجي والمحطة الثانية الجامعة العربية التي تشكل ثقلاً قوميًا مهمًا بعد ان تراجع الدور العراقي والسوري في الكثير من الملفات العربية، وباتت المملكة ومجلس التعاون حجر بناء اساسي في التجمع العربي الواسع، ومناط بها مستقبلاً ان تلعب دورًا اوسع واكبر في مشروع الشرق الاوسط الاستراتيجي، كما تشكل المملكة في المحطة الثالثة القائد الفعلي دون منازع للعالم الاسلامي، لذا كانت الرياض في لقاء القمة بترامب تحتضن بين جناحيها ثلاثة كتل وتجمع دفعة واحدة هي الكتلة الخليجية والعربية والتكتل الاسلامي، تحت تلك المظلات الثلاث كانت تدرك واشنطن اهمية ودور السعودية وثقلها المؤثر بين تلك الاعمدة الثلاث، الخليجية والعربية والاسلامية معًا، وكان على الرئيس الامريكي ترامب ان يبعث برسالة واضحة للرئيس الايراني الجديد عشية انتخابه في دورته الثانية.
ولم يلجأ ترامب للدبلوماسية الناعمة والمواربة واللف والدوران او حتى الايحاء، وانما بلغة واضحة سهل استقبالها في طهران وهي لا تحتاج للتأويلات والتنظيرات، فالخطاب الامريكي الجديد لايران هو حصيلة عقود ممتدة من الحرب الباردة الخفية، محاولة واشنطن تحاشي الدخول في حرب مع ايران رغم وجود ملفات استخباراتية وعسكرية عن مخططات ايران التوسعية في المنطقة.
لقد كان ترامب أكثر من واضح حين قال «إن ايران تمول وتسلح وتدرب الارهابيين والمليشيات، فقد اشعلت ايران النزاعات الطائفية وهي مسؤولة عن زعزعة الاستقرار في لبنان والعراق واليمن، كما ان التدخلات الايرانية التي تزعزع الاستقرار واضحة للغاية في سوريا، فبفضل ايران ارتكب الاسد الجرائم بحق شعبه، ويجب ان نعمل معا لعزل ايران ومنعها من تمويل التنظيمات الارهابية، مشيرًا الى الضحية الابرز للنظام في طهران هو الشعب الايراني».
وقد كان ملف الإرهاب والفقرات المتكررة حوله موضوع القمة في الرياض وايران تشكل محور تلك المسألة الارهابية كما نصت عليه الخطب جميعها والبيان الختامي، مؤكدًا الرئيس الامريكي مجددًا بقوله «مستعدون للوقوف معكم للبحث عن المصالح المشتركة، مضيفًا أن هذه القمة ستعلن بداية نهاية من ينشر الارهاب».
تلك اللغة التي تعبر عن خطاب واضح بتهديد مبطن، عن ان التحالف القادم والعمل المشترك سيكون اكثر جدية وتحركا وتنظيما للقضاء على كل مصادر الارهاب دولاً ومنظمات واحزاب. فكان لخطاب ترامب وقعه على مسامع من يدركون ان المرحلة القادمة مختلفة من حيث المواجهة والتحديات، ومع ذلك لم تتسم كلمة الرئيس روحاني بعد الانتخاب بحكمة ومرونة استتقبال خطاب قمة الرياض الواضحة عن الارهاب والمليشيات وعن دعم بلاده لها حيث قال: «إننا نفخر بقواتنا المسلحة والجيش والحرس الثوري والباسيج وقوى الامن ونعتبر قوتها ضمانا للسلام والاستقرار في المنطقة، والامن والرفاه لشعبنا» لذا مقابل عبارة زعزعة المنطقة يفتش روحاني في قاموسه عن نقيض لخطاب مضاد اهوج فباتت قوى التصدير للثورة والتخريب هي نفسها ضمانا للسلام والاستقرار!!. ازاء هذا النوع من الخطاب الايراني كان هناك رد تيلرسون وزير الخارجية الامريكي في العاصمة السعودية /‏ الرياض مفاده: «اذا كان روحاني يرغب في تغيير علاقة ايران بباقي دول العالم، فإن هذه الامور هي التي يمكنه القيام بها وقال انه يأمل في ان يبدأ روحاني عملية تفكيك شبكة الارهاب الايرانية وينهي تمويل بلاده للجماعات الارهابية ومنحها للدعم سواء على مستوى الافراد او المستوى اللوجستي».
تلك المطالب الامريكية من الرئيس روحاني ليست الا اضغاث احلام في بلد يعيش حالة «دولة داخل الدولة»، بلد رئيسه خاتم من الفضة في اصبع ولي الفقيه، ففي اتون المعارك الكلامية الدبلوماسية الساخنة: اكد نائب قائد الحرس الثوري العميد حسن سلامي في تصريحاته في 22 ابريل 2017 على مواصلة دعم المليشيات الارهابية في المنطقة تحت مسمى «دعم المقاومة الاسلامية خارج الحدود !!»، وذلك ردًا على الدعوات الامريكية لوضع الحرس الثوري على قائمة المنظمات الارهابية. وبذلك يستبدل زعماء الحرس الثوري يافطة تبديل اسماء الدكاكين التي يديرونها، فيما يظل صاحب الدكان نفسه يسوق مشروعه الاخطبوطي كيفما اراد ودون حساب واحترام للمجتمع الدولي.