محمد خلفان الصوافي 

لماذا تعاند حكومة دولة قطر بشدة في مسألة طرد أفراد من جماعة «الإخوان المسلمين» منها، مع أنهم مصنفون إرهابيين خليجياً؟! وما العيب لو أن هذه الحكومة أرجعت الذين يحتمون بها إلى بلدانهم الأصلية، على الأقل من باب إثبات حسن النية، وأنها لا تريد أن تغرد خارج السرب الخليجي، وأنها متمسكة بهذا التحالف الإقليمي؟! ولماذا تكابر الحكومة القطرية بشكل «مذهل» بأن تلجأ إلى دولتين إقليميتين، تركيا وإيران، وهما اللتان لديهما مشروعاتهما السياسية في المنطقة، وتتوسل إليهما من أجل جلب قواتهما بحجة حمايتها من أشقائها الخليجيين، مع أن القطريين يدركون نوايا الدولتين ويعرفون بأنهما لا تقدمان خدمات سياسية مجانية؟!

هذه نوعية الأسئلة التي يطرحها الرأي العام الخليجي، سواء في اللقاءات التي تتم داخل المجتمع، أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وأنا أضعها هنا من باب محاولة فهم «العناد» لدى صانعي القرار السياسي القطري، والذين يمكن من خلال هذا النهج أن يدمروا دولة قطر قبل أن يضرها مَن تزعم أنها تريد الاحتماء منهم، أي دول الخليج التي تراها مصدر تهديد لاستقرارها! فعلى سبيل المثال، حاول نظام بشار الأسد الاحتماء بإيران، وكانت النتيجة، كما نراها اليوم، تدميراً شاملاً للدولة والمجتمع. وكذلك لجأ الحوثيون إلى الإيرانيين للحصول على المساعدات الإنسانية، والنتيجة هي أيضاً كما نرى. لذلك، على صانع القرار القطري تقييم كيف كانت نتائج تلك المواقف والسياسات.

كما أن إبراز هذه التساؤلات هو من باب تفكيك بعض أساليب وطرق «الإخوان المسلمين» الملتوية في توريط من يأمن لهم، حيث لا يمكن الفكاك من حبالهم بسهولة، بل إن الأمر يحتاج إلى شجاعة في القرار بدلاً من «المكابرة» وتأزيم المشكلة بسياسات لا تدل على عقلانية وحكمة من يديرها. إن إدارة الأزمة هنا تحتاج تفضيل الحكومة القطرية الجانب الخليجي، من خلال مصداقية التعامل والتعهد المطمئن، ليس بتوقيع معاهدات مع العثمانيين الذين خرجوا من المنطقة بالقوة وتأتي عودتهم الآن كفرصة لهم. والأمر ينطبق على الفرس الذين لا يحملون وداً للعرب وخاصة الخليجيين. هذه ليست انطباعات، ولكنها حقائق.

الطريقة التي تعالج بها قطر الأزمة تحمل ملامح من أسلوب «الإخوان المسلمين»، وهي إشعال المنطقة بكل من فيها وإثارة الفوضى حتى لو أدت إلى تدمير كل شيء، بما في ذلك «الإخوان» أنفسهم. ومعروف أن وصول شخص إلى هذه الدرجة هو تأكيد بأنه متورط ولا يريد أو بالأصح لا يستطيع الإعلان عن تغيير مواقفه، ربما لأن الثمن سيكون غالياً أو لأنه لا يملك شجاعة اتخاذ قرار الفكاك، وبالتالي تكون الحكومة القطرية مضطرة للسير مع «الإخوان» إلى النهاية أو اتباع «سياسة الأرض المحروقة» ولو عبر الاستعانة بقوات من تركيا تمثل نحو نصف الجيش القطري نفسه، وربما في قادم الأيام بقوات من الحرس الثوري الإيراني أيضاً.

بلغة أخرى، فإن الاحتماء بقوات تركية والتفكير في الاستعانة بقوات إيرانية هو استمرار من جانب قطر في الإساءة لشقيقاتها من الدول الخليجية التي سجلت «عتبها السياسي» منذ أعوام على سياسات الدوحة التي تهدد الاستقرار في المنطقة، وفي هذه المرة أوضحت «غضبها السياسي» بعدما نفد صبرها تجاه تناقضات قطر الاستراتيجية.

والغريب في الأزمة الجديدة أن العناد السياسي القطري يذكرنا بموقف صدام حسين ونظامه في مرتين اثنتين؛ الأولى: أثناء غزوه لدولة الكويت ورفضه كل المحاولات لحل الأزمة، فكانت الحرب التي خسرت فيها المنطقة كلها وربحت إيران. والمرة الثانية: خلال عام 2003 حيث تجاهل صوت الحكمة والعقل الصادر من الدول الخليجية بترك السلطة، فكانت النتيجة سيطرة الإيرانيين على العراق.. فهل يكون من العقل بعد كل هذا الاستعانة بإيران أو تركيا؟!

الخلاصة هي أن أسلوب إدارة صانع القرار في قطر لهذه الأزمة رفع من وتيرة الغضب الخليجي ووسع من السخط المجتمعي، ومن ثم زاد التشدد في الموقف السياسي وحتى الرأي العام الخليجي والعربي، لأن ما يقوم به هو استفزاز صريح، فهو يقدم «طوق النجاة» للنظام الإيراني ولـ«الإخوان المسلمين» بعدما بدأت الجهود الخليجية تثمر في تضييق الخناق عليهما وإحكام السيطرة على تغلغلهما في المجتمعات العربية. والغريب في الموضوع أنه في الوقت الذي استوعبت فيه إيران توجه السياسة الدولية الذي يسير نحو التشديد على التنظيمات الإرهابية من خلال «اختلاق» قضية تفجير قبر آية الله الخميني استعداداً لإقناع الرأي العام العالمي بأنها لا تدعم الإرهاب، فإن حكومة قطر تبدو وكأنها تؤكد للعالم أنها الداعم الأساسي والوحيد للإرهاب وبفخر!

المشهد في قطر بات مقلوباً على نحو غريب، فمن كان يتوقع أن يأتي يوماً يتوسل فيه صانع القرار السياسي القطري بدول تعتبر أعداء لدول الخليج والعرب (إيران وتركيا) بأن تحميها من أشقائها أو على الأقل من دول تتشارك معها المصير السياسي، وترتبط معها بعلاقات تاريخية وأسرية، فهل إلى هذه الدرجة وصل العناد والتعنت القطري؟!

إن أبسط ما يمكن قوله الآن هو أن صانع القرار القطري يدمر مواقف بلاده وسمعتها دولياً، وقيمها السياسية خليجياً وعربياً، لحسابات أطراف لا تضمر لأبناء هذه المنطقة إلا شراً.