فيكتوريا بيتمان

تتحول المرونة لأن تكون اللفظة الأكثر تردداً في الاقتصاد العالمي. إذ حذرت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد من الحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لحماية وتعزيز مقدرة الاقتصاد العالمي على الصمود في وجه الصدمات. ووفقاً لوزير المالية الألماني ولفغانغ شويبل، أن هذا الأمر ينطوي على تمكين الناس من التعافي بعد مرور الأزمات.

ولقد جعلت مجموعة العشرين «مرونة الاقتصاد العالمي» من أولويات مؤتمر القمة المقرر اليوم في هامبورغ. ومع ذلك، ومع كل التركيز الذي يحظى به الأمر، إلا أن هناك القليل وللغاية من الحديث عن المجالات ذات التأثير الكبير على المقدرة على الصمود: مثل الهجرة، وتعليم الكبار، وجمع البيانات.

لدى الحكومات في الوقت الراهن مجموعة من الأدوات الموحدة، وأغلبها من مقترحات مجموعة العشرين وصندوق النقد الدولي، مثل الإصلاحات الهيكلية لزيادة مرونة الأسواق، والقاعدة الضريبية الواسعة، والاستخدام الكبير لما يسمى بالسياسات المعاكسة للدورات الاقتصادية، بما في ذلك عوامل الاستقرار التلقائية وسياسات السلامة الاحترازية الكلية. ولكن فيما وراء هذه التدابير التي سبق اختبار فعاليتها، فإن التوصيات الأخيرة المتعلقة بالمرونة تكاد تكون بلا معنى أو مغزى. 

فلا يُنتظر مثلا من الحكومات وخبراء الاقتصاد، كما ينصح صندوق النقد الدولي، انتظار آثار التقدم التكنولوجي والتكامل الاقتصادي وإعداد الرأي العام بالأدوات الكافية لجني المكاسب. والمستقبل غير معروف للجميع بصورة كلية، وهي الحقيقة التي وقف كينز عندها ووصفها بالقوة الدافعة وراء عدم الاستقرار الاقتصادي. 

لقد أشار البعض إلى أن تعزيز التعاضد الاجتماعي من شأنه تحسين المقدرة على الصمود، وهذا من الدعاوى البراقة: فلقد خلصت الدراسات منذ فترة طوية إلى أن مقدرة الاقتصاد على التكيف مع الصدمات الكبيرة تعتمد على درجة الصراع الاجتماعي وقدرة الاقتصاد على إدارة هذا الصراع. وتكمن المشكلة في العثور على سبل لتشجيع التغيير. ومدى ثقة الناس في مجتمعاتهم الأوسع نطاقاً، ومدى سعادتهم لمساعدة الفئات الأقل حظاً في المجتمع من خلال المساهمة في مجموعة مشتركة من الموارد، هي من الركائز الأساسية المتجذرة التي يصعب على الحكومات تغييرها بين عشية وضحاها، كما أوضحت إحدى الدراسات الأخيرة الصادرة عن المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية.

وفي حين نظر مجموعة العشرين في هذه المسألة المهمة، فهناك مجالان آخران للقدرة على التكيف مع الصدمات يستحقان النظر والاعتبار؛ الهجرة والتعليم، ولا سيما تعليم البالغين والكبار.

تواجه الهجرة، من واقع كونها أداة لموازنة الصدمات الوطنية أو الإقليمية، مقاومة وتحديات متزايدة من السياسيين التواقين إلى استرضاء المواقف المناهضة للهجرة لدى الرأي العام الداخلي في بلادهم. ولكن في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، انتقل حوالي 30 مليوناً من أبناء أوروبا الفقراء إلى الولايات المتحدة في رد فعل على الصدمات التي حلت بالاقتصادات الداخلية في بلادهم، بما في ذلك مجاعة البطاطا الآيرلندية. ولقد قامت المقدرة على الهجرة مقام صمام التنفيس الذي أعان الأفراد على الاستجابة للبطالة المرتفعة والفقر المدقع، مما عاد بالنفع في أغلب الأحيان على البقية التي لم تبرح مكانها في بلادها.

يمكن لتعليم الكبار المساعدة في تخفيف معاناة الناس في القطاعات التي تخسر الكثير بسبب التغيرات التكنولوجية المتسارعة والصدمات الناجمة عن التجارة. وباستعراض ما جرى في السابق، لا بد من توفير المزيد من هذا الدعم لحزام الصدأ الأميركي ولنزع الصفة التصنيعية عن شمال انجلترا بالكلية.

ويمكن للحكومات وللجهات متعددة الأطراف المساعدة في هذا المجال، بدءاً من جمع البيانات. وعن طريق قياس ومقارنة البلدان من خلال العقبات القائمة على طريق الانتقال وحرية الحركة، ومن خلال الاستفادة من أعمال منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في إتاحة ودعم تعليم الكبار، يمكن للحكومات المساعدة في تحديد أوجه الحاجة إلى توفير الدعم وتغيير السياسات.

ووفقا لتقرير المخاطر العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي هناك خمسة أنواع من المخاطر التي يجب الانتباه إليها: المخاطر الاقتصادية، والبيئية، والجيوسياسية، والاجتماعية، والتكنولوجية، ومع تراجع خطر منها يتقدم الآخر إلى صدارة الأحداث.
هناك حدود لما يمكن للحكومات فعله من أجل تعزيز المرونة والصمود. وبرغم ذلك، فإن الإقرار بأن الاقتصادات ليست مستقرة بصورة طبيعية، واتخاذ الإجراءات لقياس ومقارنة الاقتصادات من حيث التدابير السياسية الأساسية التي يمكنها المساعدة في التكيف للمشهد العالمي دائم التغير، سوف تكون من الخطوات المبدئية الجيدة بالنسبة لقمة مجموعة العشرين اليوم.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»