وائل سامي السماعين
قبل عامين حضرت حفل تخريج احد ابنائي, وكما هي العادة في الجامعات يتم تكريم بعض اساتذة الجامعة المميزين في البحث العلمي لانجازاتهم المتميزة حيث يلقون كلمات تتضمن كفاحهم ومسيرتهم العلمية من اجل تحفيز الطلبة حديثي التخرج.
و كان قد لفت اتنباهي قصة بروفسور كندي اصوله من كوريا الجنوبية واستمعت باهتمام شديد له بعد تقديمه من رئيس الجامعة لسيرته العلمية المتميزة , حيث كان من ضمن المدعوين للحفل لسببين احدهما لتكريمه وتسليمه عدة جوائز لابحاثه القيمة التي تخدم الانسانية ,وتبين ان هذا العالم قد حصل على ما يفوق خمسين جائزة عالمية في مجال تخصصه عبر السنين, حيث استقطبته جامعة ماكماستر الكندية من أميركا لتميزه. اما الحدث الاكثر اثارة فكان عندما سرد قصة حياته وكم واجه من مصاعب وتحديات عندما هاجر من بلده كوريا الجنوبية في السفن التجارية في عام 1960, حيث قضى اكثر من شهر مع البضائع حتى وصل الولايات المتحدة، ولم يكن يحمل في حينها من المال شيئا، فقد ذكر انه في ذلك الوقت كان متوسط دخل الفرد في كوريا الجنوبية في فترة الستينات من القرن الماضي لا يتجاوز المائة دولار في السنة اي بمعنى انها كانت من افقر الدول في العالم ويعيش شعبها في فقر مدقع.
التقيت هنا في عمان بالصدفة خبير تسويق لإحدى كبرى الشركات الكورية الجنوبية، وقمت بالمبادرة في الحديث معه فتبين انه من كوريا الجنوبية , فرجعت بذاكرتي لقصة البروفسير الكوري الاصل, فاستغللت الفرصة وسألته عن السر وراء هذه القفزة الصناعية غير المسبوقة في غضون خمسين عاما حتى اصبح يسهل وصفها بالمعجزة ,فمن فقر مدقع لتصبح كوريا الجنوبية ثامن دولة صناعية في العالم في وقتنا الحاضر. فرد علي قائلا الانتماء للعمل ,واعطى مثالا على والده الذي لم يراه الا نادرا حيث كان يعمل 15 ساعة يوميا. وذكر ايضا ان الكوري الجنوبي كان يضع دوما شعارا غير مكتوب او مرئي وهو ان على كوريا ان تصبح مثل اليابان او الولايات المتحدة ولهذا كان الجميع يبذل قصارى جهده.
في عام 2015 اصبح متوسط دخل الفرد الكوري الجنوبي حوالي ثمانية وعشرين الف دولار سنويا 28,000 اي انه تضاعف 280 مرة خلال خمسين عاما.
حكمت اليابان كوريا من عام 1910 حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. حرر الاتحاد السوفيتي كوريا من قبضة اليابان في شهر اغسطس من عام 1945 وعلى اثر الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي وأميركا, تم تقسيم كوريا الى جنوبية تحت سيطرة أميركا التي اصبحت حليفة لأميركا فيما بعد, واما الشمالية فكانت من نصيب الاتحاد السوفيتي انذاك. بقيت كوريا الشمالية يحكمها العسكر ونتيجة لذلك كان متوسط دخل الفرد في عام 2015 حوالي الف دولار في العام وبقيت بلدا غير منفتح على العالم وويزداد فقرها , بينما جارتها كوريا الجنوبية نهضت ولم تعادي اليابان للابد بسبب الاحتلال الياباني لكوريا لخمسن عاما , فاستثمر اليابانيون والأميركان فيها لتنمو ولتصبح ثامن قوة اقتصادية في العالم. الدرس المستفاد انه لا يوجد اعداء الى الابد، وعلينا اخذ روح الانتماء للعمل كما هو في كوريا الجنوبية كمثال حي لإرادة امة تريد ان يكون لها مكانة بين الأمم ,وذلك كبديل عن الانتماء الاعمى للطائفية او المذهبية او التعصب الديني او العرقي البغيض.
التعليقات