غازي خالد الزعبي
ألقى الواقع العربي المتردي بظلاله على المستوى الفكري ليدلي بعض المفكرين بدلوهم في تعليل أسباب هذه الظاهرة غير المسبوقة في تاريخ العرب الحديث، فالأمن العربي المخترق، والغزو الخارجي الهمجي، والرده الداخلية المبيتة، والحصار الإعلامي والدبلوماسي الخانق، والقطيعة المزمنة بين النخب العربية الفاعلة، اوجد حالة من البلبلة واليأس حتى بدا وكأن الوطن العربي فقد بوصلته، وقدرته على الصمود والتصدي، بإنتظار المجهول من قادم الايام.
وخيل للكثيرين بأن اسباب هذا الوضع كامن في البنية العربية الذاتية، وقصوراً في العقلية الاستراتيجية القادرة على التفاعل مع المتغيرات التاريخية بايحاء من النظرة الرومانسية للماضي، مما أدى الى فرضية مضللة ومفتعلة مع مدنيات اخرى، كما اشتط البعض بالدعوة الى تذويب المجتمع في ثقافة اخرى هجينة للالتحاق بركب المدنية المزعوم.
وظاهرة الهبوط والصعود، والانحطاط والازدهار، سنة كونية في حياة الشعوب والامم لا يخلو منها زمان ومكان، والقوى الكبرى الموجودة على الساحة العالمية تعرضت للقهر والاستلاب في اسيا وأوروبا وافريقيا واميركا ثم ما لبثت ان استعادت قدرتها وارادتها من جديد، على غرار الامة العربية التي تعرضت لمثل هذه الظروف أيام الاجتياح المغولي والصليبي، ومحن الاقتتال الطائفي والشعوبي، كما ان حصاد التاريخ العالمي بمجمله سلسلة من الهزائم والانتصارات كما ان والامر الواقع ليس بالضرورة هو الثابت الدائم، بل على العكس فأن المتغير هو الذي يصنع المتحول تبعاً للظروف والقوى المتصارعة في مجرى حركة التاريخ على صورة نهوض ونكوص، وهزيمة وانتصار.
وقوة الشعب العربي تكمن في خصوصيته الفريدة المتكاملة بين المادي والروحي، وماضيه وحاضره، وكفاحه الدائم من اجل التحرر والمشاركة في صنع الحضارة الانسانية، ولقد كان الدين الاسلامي كرسالة سماوية للعالمين حاضنة لاستقامة وعطاء الانسان العربي المسلم، وتوجيه رؤيته نحو الخير والعدل والسلام وهدي من المثل العليا تحت اصعب الظروف، كما ساهم الثرات بتقاليده المتوارثة من جيل الى جيل بالصياغة المعرفية للهوية العربية المعاصرة، وعبر الماضي المستفادة من التاريخ تشهد دون شك على مدى احتدام الصراع مع الاخر الذي لم يستطع ابداً قهر هذه الامة او اخضاعها، او النيل من عزيمتها لاصرارها المستمر على الدفاع عن مقومات وجودها التي ساهمت وتساهم الاجيال في منعتها وصمودها بالنفس والروح والمال بتضحية واقتدار كانا وما زالا مثار الاعجاب والاحترام، واذا كان المستقبل يعكس الصورة المعبرة عن الماضي والحاضر، فأن المعارك ستبقى مستمرة، والكفاح سيتجدد كقدر لا مفر منه.
التعليقات