عبدالله بشارة

منذ أيام توقفنا عند مؤشر سبعة وعشرين عاماً على كارثة الغزو المشؤوم، ونظراً لضيق المساحة، ألخص الأحداث منذ ذلك اليوم في اثنتي عشرة حالة من التبدلات التي مست المنطقة وغيرت أهلها وأربكت النظام العالمي كله.


أولاً: الكويت دولة وديعة منذ عام 1961، عاشت بالدبلوماسية الناعمة وأدبها، والتزمت برقتها، وتعاملت مع غلاظة الجوار بالرفق، وارتاحت لثقتها بالقيادات العربية، فصار ما صار، وتجلت الحقيقة أن الكويت لا تعيش دون رادع، بالتوافق مع الأصدقاء التاريخيين، الذين عرفناهم لقرن كامل، وأخذت أول الدروس باتفاقيات أمنية مع الحلفاء والقادرين، الأصدقاء التاريخيين، الشركاء في الازدهار وفي الاضطرار، ونجحت الكويت في تلقيح الدبلوماسية الإنسانية المتوارثة بخشونة الردع المؤذي، فصار من يتربص يحسب ألف حساب.
ثانياً: تعرض المواطن الكويتي إلى تبدلات في البناء النفسي، وصار يعاني تركة الغزو Invasion Syndrome، وصار يتابع روايات الغزو وأطروحات الخائبين العرب المناصرين لصدام، الذين استبشروا بتحقيق حلم وحدة الثروة ووحدة الأمة، وتوقعوا نصيبا من خزينة الكويت، فلم يعد يصدق بيانات بعض العرب، ولا يطمئن إلى مواقفهم ولا يتوافر الجد في مواقفهم.
ثالثاً: متانة الكويت ووحدتها الوطنية وإجماع شعبها منبثقة من شرعية سياسية تاريخية، ومن اعتزاز بتشييد دولة بتراث بحري مثير للإعجاب، وولاء صاف في مواطنة حيرت صدام حسين وتوابعه من التافهين، ففوض زبانيته بإغراق الكويت بالمخدرات لتقويض صلابة مواطنيها.
رابعاً: تزدهر الكويت بالولاء للدستور وحماية مبادئه في مشاركة حقيقية في اتخاذ القرار، وترسيخ حكم المؤسسات الدستورية، والثقة في التجمعات الشعبية، والاطمئنان إلى أن المخاطر تأتي من الخارج وليس من الداخل.
خامساً: تتعرض الدولة الوطنية، في الخليج وغيره، لتحديات إرهابية تعمل على تقويض ركائزها، وتتصدى لمفاهيم المواطنة فيها، لكي تبني إمارة إسلامية متطرفة ورجعية تستهوي الماضي، وتسعى لنقل السلطة إلى قوى وتنظيمات عابرة لحدود الدولة الوطنية، ولن تنجو دول الخليج، ومنها الكويت، سوى بصحوة جماعية فيها انفتاح على ترتيبات تضم جميع الأطياف من دون فرقة أو تمييز، مع سيادة القانون وتحقيق المساواة.
سادساً: انتهى، تقريبا، عهد أنظمة الأيديولوجيات القومية والتجمعات الحزبية، والساعية إلى السلطة عبر انقلابات عسكرية، وانشغال الشعوب ببيانات خادعة وغير مفهومة، شلت إرادة الشعوب في التطور، وأخذتها إلى حروب بائسة دمرت الأوطان، ولعل تاريخ العراق وسوريا ومصر والسودان واليمن وليبيا فيه الكثير من عبر الحياة.
سابعاً: يتعرض مجلس التعاون الآن إلى أزمة حادة أشغلت العواصم الكبرى وجميع بلدان المنطقة، ووضعت الأسرة العالمية ثقتها في مساعي سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر أمير الكويت، فالعالم يحترم حكمة الأمير، ويثمّن دور مجلس التعاون في الأمن والاستقرار، وعلى اطلاع بنزعة الاعتدال، وعقلانية دبلوماسية النفط، ويثني على دور المجلس في التنمية الاقتصادية، وفي حوارات المنظمات العالمية، والأنظار نحو الكويت لأنها أكبر من غيرها، جربت مصداقية المجلس، وعلينا دعم جهود الأمير ليواصل.
ثامناً: طغى مبدأ حقوق الإنسان وحمايته والالتزام بمواثيقه العالمية، وضرورات الانفتاح الاجتماعي، وتقبل دور المنظمات الأهلية في التوعية وفي مراقبة سلوك السلطة، واحترامها للاتفاقيات الدولية، وصارت عولمة المعاناة وحرمان الشعوب من حقوق العيش اللائق، قضيتين تهددان الأمن والسلام العالميين، كما نشاهده الآن في سوريا وشمال العراق، وأحداث دول أفريقيا، تحكمها أنظمة فاشلة.
تاسعاً: لم تعد التجمعات المارقة ولا الشخصيات الإرهابية في مأمن، سواء كانت تمارس السلطة أو تتعامل مع منظمات خارجة على القانون، تمارس تهريب السلاح، وتتاجر في المخدرات، وتعمل في نقل تكنولوجيا الدمار، فلا أمان لها بعد أن تحول مجلس الأمن الدولي إلى محكمة ليست في إطار الدول وإنما الأفراد، كما نقرأ يومياً عن أشخاص ملاحقين دولياً، وأكثرهم من المخالفين لقواعد العمل الدولي.
عاشراً: لم تعد هناك أسرار في هذا الكون، فثورة الاتصالات وتكنولوجيا المواصلات استحضرت قدرة الدول المتقدمة على متابعة كل الأسرار، فالهواتف تسجل، والرسائل تخترق، والتسجيلات التجارية في الجزر النائية معروفة، وبالأمس جاء قرار محكمة باكستان الدستورية بإقالة رئيس الوزراء نواز شريف، بعد أن كشفت وثائق بنما المهربة واقع التحويلات بأسماء غير معروفة، كما صار تحكم الدول في إنجاح المرشحين، كما نقرأ عن روسيا والرئيس الأميركي.
حادي عشر: ليس من حق أحد أن يحكم بما يملك دون شركاء في المجتمع العالمي، فأصحاب الثروة على علم بأن التمتع بها لا يمكن دون مشاركة الآخرين، الذين هم في عوز من القادرين، فالإمكانات المتوافرة عالميا الآن لا تكفي لتوفير أبسط متطلبات الحياة من دون مشاركة فعالة من القادرين، سواء دولا متقدمة أو دولا ميسورة مثل الخليج، وجاء اختيار الأمم المتحدة لسمو الأمير كقائد للإنسانية من وقوفه الصلب في تبني المؤتمرات السخية لقضايا عالمية، وتكررت اللقاءات في الكويت حتى صارت عاصمة للعطاء الإنساني وأميرها قائده.
ثاني عشر: نلاحظ التحولات الإقليمية العربية، فصارت مصر لصيقة بالخليج، وصار النظام العربي السياسي الجديد مرتكزاً على منظور خليجي ـــ مصري فيه التعايش دون تعال، فيه تضامن المصالح، وفيه رفض لمكونات فكرية حالمة غير مهضومة واقعياً ولا سياسياً، وستكون خريطة المستقبل دولا عربية بشرعية منفتحة، تعمل على التطوير والتنمية، خالية من البوابات الشرقية، أو بوابات الصمود والتصدي، عندها سيكون العالم العربي قادراً على اللحاق بالتجديد والتغيير.