محمد آل الشيخ

 يتفق المتأسلمون المسيسون بجميع فئاتهم، بما فيهم طبعاً الحركة الأم، حركة الإخوان المسلمين المشؤومة، على كراهية عميقة للغرب، وأنه عدو عقدي للمسلمين يستهدف طمس دينهم، وأن ما يسمونه في قواميسهم (التغريب)، هو ضرب من ضروب الحرب على الإسلام. وكل من اختلف معهم في خطابهم هذا، وطالبهم بالأدلة على ما يقولون، رموه بالزندقة والحرب على الإسلام، واتهموه بالعمالة للأجنبي، حتى أن أحد هؤلاء الدعاة المسيسين، رمى كل من يختلف مع أطروحات التأسلم السياسي، بأنه (من زوار السفارات)، بمعنى أنه عميل لهم يسعى إلى تنفيذ مؤامراتهم التي تسعى إلى اجتثاث الإسلام من الأرض.

ناقشت مرة أحد المتأسلمين، قلت له: ثقافة الغرب تقف من العقائد الدينية موقفاً محايداً، فمن أقوالهم المؤسسة لثقافتهم: (الدين لله والوطن لجميع مواطنيه بمختلف عقائدهم)، ونتيجة لهذه المقولة تم السماح للمسلمين بإقامة المساجد، مثلما سمحوا للمسيحيين بإقامة الكنائس، أو لليهود بإقامة المعابد، وسمحوا بهجرة المسلمين إلى أوطانهم، وأعطوا من طلب الإقامة الإقامة، ومن انطبقت عليه شروط الجنسية التي ليس من ضمنها معتقداً دينياً معيناً، أعطوه الجنسية، وأصبح له من الحقوق وعليه من الواجبات ما لأبناء الوطن الأصليين. والسؤال: بالله عليك أليس هذا يدحض مقولات المتأسلمين المسيسين بأن الغرب يكرهوننا؟.. إذا كانوا يكرهوننا فما الذي يضطرهم للتعامل معنا بهذه المعاملة السمحة الإنسانية الراقية، والعادلة، وغير المنحازة لدين ولا لمذهب.

ويضحكني وصف الهالك القطبي «محمد قطب» لحضارة الغرب بأنها (حضارة جاهلية)، على غرار جاهلية العرب قبل الإسلام. هذا قول مرسل يفتقد أول ما يفتقد إلى المنطق والعقلانية، ويخاطب العاطفة المهزومة، مبرراً تفوقهم الحضاري والعلمي على جهلنا وتخلفنا، بأنه تفوق مادي، يفتقد للخلق السوي، بينما أن تفوقنا أخلاقي وقيمي، كما جاء ذلك في أغلب مؤلفاته. والسؤال المباشر والبسيط الذي يجعل مقولته تلك تذروها الرياح: أي أخلاق في ممارسات المتأسلمين الإرهابية، وشغفهم بالقتل وإراقة الدماء، كما يفعل الإرهابيون المتأسلمون، التي أفرزتهم حركاتكم المسيسة؟.. ثم هل لجأ الغربيون الذين تكنون لهم العداوة والكراهية والبغضاء إلى المعاملة بالمثل، فطرودكم من ديارهم أو على الأقل أغلقوا مساجدكم، واعتقلوا دعاتكم، أم أنهم عاملوكم بأخلاقهم المتحضرة لا بأخلاقكم المتخلفة، التي أزعجتم الناس بالمناداة بها؟.

التأسلم السياسي نهج الخوارج، وليس من مناهج أهل السنة؛ يقول جل وعلا: (إن الدين عند الله الإسلام)، وأركان الإسلام التي اتفق عليها الفقهاء الأوائل، لا علاقة لها البتة بالسياسة، فلماذا لا تقتدون بالغرب، وبأخلاقياتهم الدنيوية الراقية، وليس بأديانهم وعقائدهم الدينية، لتصلوا إلى ما وصلوا إليه.

ولا يستفزني مصطلح مفبرك، وهجين، مثل مصطلح (التغريب). فالتغريب هو بلغة مباشرة (التنمية)، فهل يمكن لأمة معاصرة أن تنموا وترتقي وتتحضر إلا إذا سلكت مناهج (الغرب) العلمية والفلسفية والتجريبية على وجه الخصوص، فليس للأسف في تراثنا الموروث ما يمكن له أن ينقذنا من أمراضنا وأوبئتنا وتخلفنا، إلا إذا نهجنا نهجهم حضارياً، وهاهم الآسيويون، بمن فيهم دول أغلب سكانها مسلمون، نهجوا نهج الغرب، وحققوا من الرقي والتقدم الحضاري ما انعكس على رفاهية شعوبها، وكرس أمنها واستقرارها.

وأخيراً أقول: رغم أني كنت في الماضي أعتقد أن مسيرتنا نحو التحضر والتنمية ستطول، إلا أن ما نشهده في هذا العهد الزاهر في مواقع (السوشل ميديا)، التي هي أصدق التعابير عن مجتمعنا، من انكشاف للتأسلم السياسي، وسقوط دعاته المدوي، يجعلني sبالفعل أتفاءل بغد قريب مشرق.