حمد العامر

رغم مرور ثلاثة أشهر على تفجر الأزمة الخليجية واستمرار التعنت القطري والتحدي الواضح للدول المقاطعة وعدم الاستجابة لمطالبها الثلاثة عشر والمبادئ الستة للاجتماع الثاني لوزراء خارجية الدول المقاطعة الذي عقد بالقاهرة بتاريخ (5 يوليو 2017م) والتي أهمها (مكافحة الإرهاب والتطرف وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والالتزام بقرارات قمة الرياض الإسلامية الأمريكية ونبذ خطاب الكراهية)، ورغم رفض قطر لكل المبادرات والحلول المطروحة التي قدمها الوسيط الكويتي لحل الأزمة، إلا إنها استمرت في التصعيد خصوصًا بعد مساس قطر بفريضة الحج ومطالبتها بتدويله في اتفاق يسير تمامًا مع السياسة الإيرانية، وهي التي تدرك خطورة هذه السياسة وتأثيرها المباشر على المملكة العربية السعودية لما يشكله ذلك من تهديد لسيادتها الوطنية وأمن واستقرار دول مجلس التعاون.
لقد تسبب الموقف القطري من الأزمة الخليجية في تباعد المسافات واتساع هوة الخلافات بين الأشقاء في البيت الواحد، خصوصًا مع تحويلها إلى (حرب إعلامية) بالدرجة الأولى وذلك على مستويين:
الأول: دخول وسائل الإعلام والصحف الرسمية ومواقع التواصل الاجتماعي على خط الأزمة، لتصبح سلاحًا فتاكًا يشطر الشعوب الخليجية بالحملات الإعلامية التي تقودها شخصيات مجهولة وأخرى معروفة، لتتجاوز تلك الحملات كل الخطوط الحمراء التي تحكم العلاقات، وتتبارى الحسابات المعروفة والوهمية في بث روح الكراهية والحقد في قلوب الشعوب الخليجية باستخدام أبشع العبارات وأكثرها بذاءة.
ثانيًا: تحول (قناة الجزيرة) المدعومة من قبل الحكومة القطرية منذ تأسيسها في (نوفمبر 1996م) إلى المتحدث الرسمي باسم دولة قطر منذ اليوم الأول للأزمة، والمدافع الشرس عن سياساتها، وهذا أمر غير مستغرب على من كانت هي الأداة الفاعلة في دعم الثورات الانقلابية في تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن وسبب فيما تعيشه الآن من دمار وصراعات وعدم استقرار، بما يوضح الهدف من إنشائها وهو إحداث التغيير الشامل في النظام العربي المستقر والتخفي تحت ادعاءات الحيادية والموضوعية ورفع شعار (الرأي والرأي الآخر).
وعند استعراض الدور القطري في التدخل بالشؤون الداخلية في مملكة البحرين والتخطيط للانقلاب على الحكم الخليفي الشرعي، نجد أن قطر اعتمدت منذ سنوات على خطط متعددة لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، ويمكن تلخيص ذلك في الآتي:
1). منح المعارضة البحرينية مساحات إعلامية واسعة للظهور على القنوات الرسمية القطرية للحديث حول طموحاتها وتشويه صورة البحرين بادعاءات باطلة، كاستضافة التلفزيون القطري عام (1997م) للمعارضين البحرينيين منصور عبدالأمير الجمري والشيخ علي سلمان في برنامج (حوار في قضية).
2). في (13 ديسمبر 1995م) تم ضبط شحنة من الكتب والمنشورات والصور المناهضة للبحرين تمت طباعتها في الدوحة ومرسلة إلى أحد مراسلي وكالة رويترز الإخبارية.
3). انطلاق حسابات إلكترونية تحريضية من الأراضي القطرية منذ (يناير 2011م) تدعو المواطنين للخروج على النظام وتنظيم المظاهرات والتحشيد لها تحت عناوين حماسية وتحديد أوقاتها ومواقعها بهدف إشعال الفوضى ونار الطائفية في المجتمع البحريني وتمزيقه تمهيدا للإطاحة بنظام الحكم.
4). التواصل المباشر بين القيادات القطرية مع المعارضة البحرينية، والذي بينته التسجيلات المسربة مؤخرًا كالمكالمة الهاتفية بين الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني وزير الخارجية القطري السابق وعلي سلمان رئيس جمعية الوفاق الوطني الإسلامية المعارضة، ومكالمة حمد بن خليفة بن عبدالله العطية مستشار أمير قطر والإرهابي حسن علي سلطان.
5). التركيز الإعلامي القطري غير المسبوق على البرامج الإخبارية الملفقة والأفلام الكاذبة حول البحرين والمحرضة على الاضطرابات والفتنة والانشقاق، وتخصيص مساحات إعلامية واسعة لها على القنوات الحكومية الرسمية وشبكة قنوات الجزيرة، وبث تلك البرامج والأفلام مرارًا وتكرارًا بهدف تشوية سمعة ومكانة البحرين الدولية في مجال حقوق الإنسان، وتقديم الدعم الإعلامي الدولي الرخيص للمجموعات الإرهابيةالمعارضة ضد دولة شقيقة وعضو في منظومة مجلس التعاون.
6). استضافة المعارض البحريني حسن مشيمع على شاشة قناة الجزيرة في (فبراير 2011م)، وهو الذي أعلن عن تأسيس (التحالف من أجل الجمهورية) بهدف إسقاط النظام الملكي الدستوري البحريني وتأسيس (الجمهورية) كنسخة طبق الأصل من نظام ولاية الفقيه وسط قلب الجزيرة العربية.
7). تبني وتمويل واحتضان مراكز الدراسات والأبحاث والمنظمات الفكرية المشبوهة التي تمارس حراكًا مضادًا للبحرين، كمركز بروكنجز الدوحة الذي يرأس مجلس إدارته الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني وزير الخارجية السابق، والذي قام في (أكتوبر 2012م) بتنظيم مؤتمر بعنوان (ماذا بعد تقرير بسيوني؟) في محاولة لتعويض المعارضة عن الخسارة التي تكبدتها خلال المراجعة الدورية لملف حقوق الإنسان في جنيف في ذات العام.
8). استغلال أحداث (فبراير 2011م) لتنفيذ (خطة استعادة الجنسية)، وتقديم إغراءات للبحرينيين للهجرة إلى قطر، والتركيز على العسكريين والمواطنين من قبائل وعائلات معروفة، وتم تجنيد شخصيات بحرينية حصلت على الجنسية القطرية في وقت سابق للقيام بهذه المهمة، ومخالفة الدستور القطري والقانون الذي يشترط (الإقامة في دولة قطر مدة لا تقل عن ثلاث سنوات للحصول على الجنسية)، وذلك كله في إطار عملية تجنيس كبرى هدفت إلى التعرف على الأسرار العسكرية لقوة دفاع البحرين وخلخلة الواقع الاجتماعي البحريني وتفريغه من القبائل العربية الكبيرة والعريقة للتأثير على المدى البعيد على التركيبة الديموغرافية.
9). الاستفادة من خطة تجنيس البحرينيين في دعم ادعاءات المعارضة أمام المجتمع الدولي والإقليمي بأن عدم الرضى عن الحكم الشرعي في البحرين ليس من قبل المكون الشيعي فحسب بل إن المكون السني -وهو الحليف التاريخي للحكم- أصبح يرفض أيضا سياساته.
ورغم اعتماد دولة قطر الكلي على الحرب الإعلامية لكسب المعركة التي أوهمت بها شعبها، والاستناد في الدفاع عن سياساتها على عدد من الشخصيات التي تستضيفها شبكة قنوات الجزيرة وقنوات التلفزيون الرسمية والتي في أحيان كثيرة تبدي آراء مغايرة لما هو مطلوب، فإن قطر لم تستوعب حتى الآن حجم السقوط الإعلامي الذي تعيشه في ظل المهنية العالية التي يتمتع بها إعلام الدول المقاطعة.
إن واقع الحال، وما آلت إليه ظروف الأزمة الخليجية، يتطلب من الدول الأربع إعداد استراتيجية قصيرة المدى تحدد معالم التحرك الإعلامي والسياسي تجاه ما يلي:
أولاً: الضغط الدبلوماسي على بعض الدول الخليجية كالكويت وعمان الدول العربية والإسلامية مثل (المغرب، باكستان.. وغيرها)، التي تقف في المنتصف دون أن يكون لها أي رأي في الأزمة، بالعمل على استغلال علاقاتها وتأثيرها على الحكومة القطرية لاعادة النظر في مواقفها بما يساعد على تحريك المياه الراكدة للوصول الى حل ينهى الأزمة والتوتر الذي له انعكاسات سيئة على أمن واستقرار المنطقة والعالم، خصوصًا في ظل سعي الدوحة لتطوير علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع تلك الدول بعد أن ضربت المقاطعة اقتصادها الوطني ضربات موجعة تبرهنها الأرقام والتقارير الاقتصادية العالمية.
ثانيًا: البحث عن صيغ من التفاهمات الثابتة مع الحكومة التركية لإعادة التوازن في موقفها المساند لقطر عبر الاستفادة من الحوار الاستراتيجي والاقتصادي القائم بين دول مجلس التعاون وتركيا وتحييد موقفها الأيدلوجي الداعم للإخوان المسلمين.
ثالثًا: التنسيق مع القيادة الكويتية على أعلى المستويات حول زيارة صاحب السمو أمير دولة الكويت إلى واشنطن في (6 سبتمبر 2017م) لبحث التزام قطر بمخرجات بيان القمة الإسلامية الأمريكية التي عقدت في الرياض في (أبريل 2017م)، والتجاوب مع بيان قمة الرياض التكميلي (2014م) وهو عين ما دعى إليه امير قطر في خطابه الذي وجهه مساء (21 يوليو 2017م) إلى الشعب القطري حيث أبدى استعداد بلاده للحوار ومناقشة كافة القضايا المثارة من قبل دول المقاطعة وتسويتها، وهو ما يتوافق مع التوجه الأمريكي لحل الأزمة.
رابعًا: الدعوة إلى عقد الاجتماع الاستراتيجي الخليجي الأمريكي على مستوى وزراء الخارجية والدفاع على أن يضم (دولة قطر) لبحث موضوع الالتزام بمكافحة كل ما يتعلق بالإرهاب والعنف وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وتنفيذ مخرجات القمة الخليجية الأمريكية وخطاب الكراهية والعلاقات مع إيران التي تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة وتسعى إلى زعزعة أمن واستقرار دول مجلس التعاون وتهديد خطوط إمدادات النفط والتجارة الدولية في الخليج العربي والبحر الأحمر باستغلال تواجدها العسكري المكثف في مضيق هرمز ومضيق باب المندب خاصة بعد العقوبات الجديدة التي أقرها الكونجرس الأمريكي ضدها.
إن على علينا جميعًا الاعتراف بالواقع الذي آلت إليه المنطقة وشعوبها وما قد تسببه من زعزعة لوحدة دول مجلس التعاون وتضامنها في هذه الظروف الصعبة التي أكدت إلى حد ما بأن الفائز الأكبر هي من عواقب هذه الأزمة هي إيران التي تسعى إلى تدمير منظومة مجلس التعاون، مما يتطلب وقفة تأمل جادة لإعادة ترتيب البيت الخليجي على أسس جديدة وواضحة في سبيل حفظ وحدة الصف وسط المخاطر والحروب والصراعات التي يموج فيها المحيط الإقليمي منذ أكثر من ثلاثة عقود، وعلينا أن نبرهن للعالم أجمع الحرص على إنهاء الأزمة من خلال الحوار القائم على تنفيذ ما ورد في اتفاق الرياض والاتفاق التكميلي وآلياته التنفيذية بضمانات أمريكية.