طارق الشيخ
هل أصبح العالم على عتبة مرحلة الجنون؟!! هذا ما تؤكده الأحداث التى وقعت فى شهر أغسطس الماضى وبدايات الشهر الحالى. فقد شهدت منطقة شرق آسيا توترا سياسيا وعسكريا بين الولايات المتحدة وحلفائها فى المنطقة، كوريا الجنوبية واليابان، من جانب، وكوريا الديمقراطية (الشمالية) من جانب آخر. ووقفت كل من روسيا والصين بعيدة عن المواجهة بخطوة واحدة فى محاولة للاستفادة من الموقف والمساومة عليه مع الولايات المتحدة بغرض تحقيق المكاسب الإقليمية أولا، وتحقيق مكاسب فى ميادين أخرى للنفوذ والثروة ثانيا.
ولكن من المقلق أن التوتر الحادث فى أقصى شرق العالم بدأت تبعاته تهدد العالم أجمع مع بداية تلويح الأطراف المتنازعة بالسلاح فوق التقليدى بداية من السلاح الذرى وصولا إلى النووى. وأخيرا زادت خطورة الموقف بتمكن كوريا الشمالية من حيازة القنبلة الهيدروجينية بعد أن أجرت تجربة تفجيرية بنجاح يوم 3 سبتمبر2017. وبالتالى أصبح كل طرف فى النزاع مسلح بأسلحة دمار شامل تكفى لتدمير القارة الآسيوية بل والعالم أجمع فى حالة دخول الصراع بينهما إلى مرحلة المواجهة النووية المباشرة!!
وعلى الرغم من سعى الكوريين الشماليين الدائم لحيازة وتطوير أسلحة الدمار الشامل ووسائل نقلها، وخاصة الصواريخ، فإنهم دائما ما يؤكدون على أن الدافع الحقيقى والوحيد لأن يسيروا فى طريقهم الذرى والنووى ثم الهيدروجينى هو مواقف الولايات المتحدة وتلويحها الدائم بتفوقها التسليحى.
وكان التهديد والتلويح الأمريكى كافيا لإشعال الغضب والحماس لدى الكوريين الشماليين والخوف من التعرض للهزيمة والمهانة والإذلال مثل غالبية الدول التى سبق وأن إنصاعت للتهديدات الأمريكي بالتخلى عن برامجها التسليحية.
ومن ثم أعلنت كوريا الشمالية يوم 3 سبتمبر أنها نجحت فى صنع رأس حربى هيدروجينى وأن اختباره كان "ناجحا". وكانت عديد الأطراف قد رجحت إجراء كوريا الشمالية تجربتها النووية السادسة إثر هزات أرضية قرب موقع تجاربها النووى.
وأكدت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية الترجيحات مشيرة إلى نجاح البلاد فى صنع قنبلة هيدروجينية يمكن تحميلها على الصاروخ العابر للقارات الذى باتت تمتلكه.
وذكرت الوكالة أن الزعيم كيم جونج-أون تفقد هذا الرأس الحربى الهيدروجينى خلال زيارة إلى معهد الأسلحة النووية وأكد أن "كل مكونات القنبلة الهيدروجينية صنعت بالكامل داخل البلاد".
وحتى ندرك الخطر المحدق بالسلام العالمى علينا أن نعرف أن القنبلة الهيدروجينية هى سلاح نووى ينتج طاقة نووية عالية من تفاعل انشطار نووى ابتدائى الذى يعمل على ضغط وإشعال تفاعل اندماج نووى ثانوى. وتزداد نتيجة الانفجار إلى حد كبير من حيث القوة التفجيرية بالمقارنة مع أسلحة الانشطار ذات المرحلة الواحدة. يشار بالعامية إليها باسم القنبلة الهيدروجينية لأنها توظف غاز الهيدروجين.
ويتم تصنيع القنبلة النووية من الانشطار النووى، ويتم تصنيع القنبلة الهيدروجينية من الاندماج النووى. ولإتمام عملية "الاندماج النووى" يجب توفير درجة حرارة عالية للغاية من أجل ذلك تصل إلى ملايين الدرجات المئوية، مثل درجة حرارة مركز الشمس ذاتها.
وقد تسببت "التجربة" الكورية هزة أرضية تم رصدها فى شرق آسيا بأسرها وقال خبير زلازل أمريكى إن هزة أرضية بقوة تجاوزت 6 درجات بمقياس ريختر ورصدت على عمق 10 كيلومترات.
وكانت كوريا الشمالية قالت فى وقت سابق إنها تمكنت من تصغير حجم سلاح نووى، غير أن الخبراء شككوا فى ذلك، كما شككوا أيضا فى قدرتها بشأن إنتاج قنبلة هيدروجينية، وهى ذات قوة تدميرية أكبر من نظيرتها النووية. وتمت الإشارة إلى أن الانفجار الناجم عن التجربة كان أقوى بعشرة أضعاف من التجربة النووية السابقة فى العام الماضى. وأعلنت هيئة المسح الجيولوجى الصينية وقوع زلزالين، الأول بقوة 6.3 درجات والثاني بقوة 4.6 درجات.
التحركات الكورية لم تأت من فراغ بل جاءت بعد تحركات أمريكية خلال الشهور والأيام السابقة. فقد قامت القوات الجوية الأمريكية بالتعاون مع إدارة الأمن النووى الوطنى، بإجراء اختبارين للقنبلة النووية فى صحراء نيفادا الأمريكية يوم 8 أغسطس.
ووفق ما يذيعه الروس فإن الولايات المتحدة لديها : 1800 سلاح ورأس نووى فى حالة تأهب قصوى و2200 احتياط، و2800 لم يعد فى الخدمة ويبلغ المجموع الإجمالي للرؤوس 6800. وتشمل الترسانة النووية الأمريكية فى الغالب صواريخ بالستية تجهز بها الغواصات.
وطورت الولايات المتحدة السلاح النووى وهى الدولة الوحيدة التى استخدمته فى الواقع، عندما قصفت هيروشيما وناجازاكى خلال الحرب العالمية الثانية.
وحاليا لم يبق أمام أطراف الأزمة فى شرق آسيا سوى اللجوء إلى صوت العقل والذهاب إلى مائدة التفاوض، أما فى حالة الذهاب إلى أزرار الخيار النووى فإن كوكب الأرض والجنس البشرى سيشهدان أخطر تحد لوجودهما منذ بداية الخلق!!
التعليقات